التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سمكة تجيد السباحة

 سمكة تجيد السباحة 



مرت أيام على نهاية الامتحانات النهائية للمرحلة الثاني في قسم الصحافة.


أشعر بفراغ، فراغ كبير، أجلس وأنا استشعر هذا الفراغ، هذا يجلب السعادة، ويجلب شعوراً آخراً غير مفهوم، لا أعلم ما اسمه ولكنني سأسميه "ماذا أفعل بهذا الوقت الفسيح الشاسع الممتد؟"، كأن أحدهم أعطاني قصراً من ٦٠٠ غرفة، شعور يمثل أقصى درجات السعادة، لكن يرافقه طيف من الهلع ماذا علي أن أضع في تلك الغرف؟ بماذا سأشغلها؟ عندها يتوقف العقل، ويحل اللا شيء.


على أني لستُ شخصاً ليس لديه ما يفعله، لكن يبدو أن الوقت يتسع ليستوعب كل المهام المفترض أن نقوم بها، فإن كان هناك مهمتين اتسع لها، وإن كانت هناك عشر مهام سيتسع لها أيضاً.


واكتشف في كل مرة أنني أعشق التعلم، إنها عملية آسرة بالنسبة لي، بإمكاني أن أعيش طوال حياتي كمتعلمة لا أفعل شيئاً سوى الدراسة، وسأكون شاكرة لذلك ما حييت، إنها علاقة شغف استثنائي، عند بداية العام الدراسي أشعر إن الدماء تدب من جديد في عروقي، وعند نهاية كل عام أشعر وكأن أحدهم شرب من دمائي بقصبة استعمال واحد وهو عطشان في يوم حار، شيء ما لا يعود كما هو عليه. 


وهناك ميزة أخرى في دراستي، هي أنني أدرس ما أحب، وهذه النقطة بعينها تذلل جميع العوائق، وتجعل أكثر الصعاب هينة لينة لا شعور قوي لها، أشعر أنني أخيراً سمكة عادت للمحيط، سابقاً كنتُ أشعر وكأنني سمكة مجبرة على التحليق، مع هذا كنتُ أحب الأعالي وكم أحببتُ التحليق!



أعتقد أن معظم الناس أيضاً يحبون التعلم مهما اختلفت أسبابهم، لأن لا أحد يحب أن يكون قليلاً، كلنا نريد المزيد، نريد أن نكون الأفضل، ونريد أن نثبت تفوقنا، إلا أن معظم الناس لم يتعلموا كيف يتعلموا، ولم يتعلموا كيف يعبرون عن حبهم للدراسة، ولم يستمتعوا سابقاً بلذة طريق التعلم ولذة الوصول، أغلب الناس تعلموا أن يتمنوا، أن يشتهوا التبجيل والإكبار الناتج عن المعرفة، وأن يبغضوا أولئك الذين تفوقوا لأن ذلك يعيدهم للنقطة الأولى "أنهم لا يعرفون كيف يدرسون"، وهذا أمر ليس باليسير تغييره خصوصاً للمراحل العمرية المتقدمة، لكنه أيضاً ليس بالصعب، إنه مزيج من بيئة قادرة على صنع التغيير تشعل الشرارة الأولى وتصنع الإقبال على التغيير، وأفراد لديهم في مكان ما في قلوبهم رغبة صغيرة خجولة للتغيير. 


أخشى أننا جميعاً لم نتعلم كيف نفكر، مجتمعاتنا مشحونة شعورياً، المشاعر كثيفة ومعقدة، ونكسو كل الأشياء بها، هل سيأتي اليوم الرائع الذي ستضمن فيه مناهج الفكر والمنطق وأداوتهما في المناهج المدرسية؟ 

سيكون ذلك رائعاً!  فمن أعمل عقله، هو للصواب أقرب، وعلى نفسه أغلب، وعلى أهوائه أقدر، لا تحركه الأمواج كيفما شائت، وتدكه الرزايا أن حلت. 


وبالعودة لي أنا التي أشعر باتساع وقتي، أشعر أن لا بأس ببعض اللعب أحياناً، وكثير من العمل في العطل كهذه. 

على أني أخشى أن يمضي الوقت سريعاً، وأكون بعد هذا الوقت في المرحلة ما قبل الأخيرة.


كاد قلبي أن يتوقف قبل أن أبدأ رحلة جديدة ذات يوم، شعرت بأني أرمي نفسي من أعلى جبل إلى إلى أعماق خاوية لا ضياء فيها، لكنني كما ذكرت سابقاً اكتشفت أني سمكة، وإني أجيد السباحة برشاقة، وإن الأمر ليس شاقاً جداً كما خيل لي. 

الخطوة الأولى دائماً مرعبة وهائلة، ثم ما يأتي بعد ذلك هو حياة عادية كما سبقها من حياة، كل الأمور تهون، كل الأحداث تصبح ذكرى، كل موقف هو درس لتتعلم منه. 



١٢:٢٤ ص

٢٣/٦/٢٠٢٢ الخميس 

سمانا السامرائي 


تعليقات

  1. لم يكن فراغ بمعنى لا شيء بل هو انفراج بعد ضغط الدراسة وخلال هذه الفسحة القصيرة يمكن ترتيب بعض الامور ككتابة القصص او المسرحيات .
    دمتم بعافية .

    ردحذف

إرسال تعليق