التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مراجعة لرواية (أحزان فرتر) لـ غوتة

 مراجعة لرواية (أحزان فرتر) لـ غوتة




رواية أحزان فرتر، الرواية التي وقعت عليها مصادفة أثناء بحثي عن رواية أخرى تماماً في موقع مؤسسة هنداوي، الرواية التي تقع في ما يزيد عن مئتي صفحة والتي سنكتشف لاحقاً إن لا عدد صفحات هذه الرواية ولا كلماتها أمران مهمان لهذا العمل الأدبي.


كتب شاعر الألمان الكبير ونابغتهم يوهان فولفانغ غوتة رجل الفلسفة والشعر هذا العمل في أوائل سبعينات القرن الثامن عشر إثر تولعه العقيم بحسناء مخطوبة لغيره من السادة، فغادر البلاد قريح العيون، دامي الفؤاد ممزقه، فاقداً لهداه.

وقد تلقى الشعب الألماني وأوروبا برمتها هذا العمل بإجلال وإكبار، وصافحت كفّا الشاعر ذروة المجد وأعلى مراتب الشرف، وقد قيل عن الرواية:

"لقد شعر تماماً في قلبه الحساس بما يخفق في كل فؤاد، ثم أبرزت عبقريته كشاعر هذا الشعور في صورة ملموسة وبيان جلي، وكذا صار خطيب جيله المفوه، وما فرتر إلا صرخة الألم العميق الذي انحنى تحته كثير من المفكرين والعظماء في عصرٍ ما، بل هو صورة الشقاء وأنَّة الشكوى المرة التي تجيبها الأصوات، ويرن صداها في القلوب"


الرواية التي تقع في أربعة وتسعين رسالة تحملنا على أكف الشعر المترفة إلى عوالمها المتأملة بلغة ناعمة وبيان ساحر وصورة حية، ولعل الصورة الحية هي جُلّ ما يُلفت في هذا العمل الأدبي، فيندر أن يستطيع روائي وباستخدام أسلوب الرسائل في السرد أن يتبحر في الكتابة عن مكنونات نفسه مع إيلاء العناية الكافية لعالمه الخارجي، وفي هذا العمل اتحد الشاعر ومحيطه، فهو إن تكلم عن نفسه نجد صوراً من عالمه، وإن تكلم عن ذلك العالم نزداد غرقاً في خبايا نفسه الهائمة في الحيرة والهم والآلام.

لغة العمل غير متكلفة قياساً بعصر كتابتها، والترجمة التي صدرت بداية القرن العشرين أعطت النص الأصلي حقه لولا أن العمل يحتاج إلى مزيد من التحرير والمراجعة، وقد نقلت لنا هذه اللغة الآسرة لحظات الصفاء، والتفكر والحكمة، والرضا والسرور، ثم نقلت القلق والاضطراب كما يجدر بها أن تفعل، وتعمقت في صراعات النفس التي أغرقتها الكآبة وسيطر عليها الظلام الأبدي فأجادت وأبدعت.


هذه ليست رواية تتحدث ببساطة عن الحب، بل عن الإنسان وأقداره، وعلاقته ببيئته ومجتمعه، عن وجوده وهدفه من الحياة، وعن روابطه مع الدين والإله، وعن كل تلك الجروح النفسية التي تُفقد أكثر الناس فطنة وذكاء وبصيرة هداهم، إنك لتقرأ سطراً واحداً وترغب في الجلوس هامداً تتفكر به لأيام دون أن يقاطعك أي مما في هذه الدنيا، فهذه الأسطر المتسامية بنَفَسِها العلوي ورؤيتِها الفلسفية واتحادها التام بالطبيعة وجوهر الإنسان المتجرد عن مناصبه وزخارف كبريائه تمنحك تطهيراً للروح من آثار المادية وعوالم الاستهلاكية وتربطك مجدداً بروحك المنسية عبر لغة تتدفق عذبة كنهر ربيعي، أنت في هذا العمل تقرأ الشخصية وتتسلق خطوط القصة في الآن نفسه.

لذا إن لم تتطلع سابقاً على هذا العمل فحري بكَ أن تفعل، فهي ملائمة لفصل النهايات، فصل الخريف المتباطئ حتى السكون.


سمانا السامرائي

12:32 ص

14/11/2021


تعليقات