التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قصيدة مدنية


قصيدة مدنية


ملاحظة: الموسيقى جزء من القصة



-همس-

موسيقى مصاحبة

يدخل إلى المطعم لتناول العشاء أربعة من الرجال المتأنقين وكأنهم لا يبذلون جهداً كبيراً كل صباح لإبهار الآخرين، يضحكون بصوت مرتفع ومبهج، يمزحون، يقفون عند أول سطح عاكس في المطعم لتعديل سترهم وقمصانهم وتصفيفات شعرهم التي سنتظاهر جميعاً إنهم ولدوا بها، لكننا وبدون غيرة سنعترف إن لديهم شعر كثيف كان سيكفي لخمسة جدائل سميكة لو كانوا فتيات.

كان عادل هو الشاب الأسمر ذو الشعر العسلي والقميص الأبيض المائل إلى السمائي والبنطال البني الذي يظهر ربلة القدم والحذاء الجلدي الفرنسي العملي والبندقي اللون.

أخذ عادل مقعده أولاً ونادى النادل متحمساً وقبل أن يجلس الجميع "أنا من سأدعوهم اليوم، أنا من سيقرر قائمة الطعام"

اعترض الأصدقاء فابتعد النادل، صاحوا، وضعوا سترهم ومحافظهم وهواتفهم على الطاولة، ثم تفرغوا لتعذيبه، شدوه من أذنه، طرقوا الطاولة، لفت النادل انتباههم إلى إن التحدث يجب أن يكون همساً، فقال عادل مازحاً "نحن لسنا بمستوى هذا المطعم الراقي" وأشار لهم أن ينهضوا "سنختنق، لنخرج"

حملوا هواتفهم ومحافظهم وسترهم، فإذا بعادل يجلس مجدداً ويشير إليهم بجدية أن يجلسوا، جلسوا مستغربين، فقال هامساً لهم "لقد وجدتها"

"من هي؟"

"فتاة أحلامي… اطلبوا ما تريدون بهدوء، لن نتحرك قيد أنملة"

استشعر عادل إنه بطل في عمل درامي ما، وموسيقى البيانو المنسابة في السماعات وجدت لتعبر عن كثافة المشهد الشعورية وتسارع إيقاع القصة للوصول إلى النهاية السعيدة.

كان مفتضحاً أو ظن، إنهما ثنائي قدري، توأم سماوي فرقته الأيام وحان لم شمله، لم يحرك عينه في اتجاه آخر، ولم يسمع ما قالوه، حتى هزه صديق، فقال مشدوهاً "تلك خلفك"

نظروا إلى الطاولة التي كان فيها ثلاث فتيات وشابين.

قال الصديق "لكننا لا نرى إلا ظهور الفتيات"

قال عادل "بالضبط، ظهرها مثالي، شعر قصير، ملابس حليبية رملية اللون، بنطال واسع طويـ~~~ـل وكأنها تسيطر على العالم، حذاء عالٍ، إنها أنيقة وجذابة… مثل فتاة أحلامي تماماً"

نظر الأصدقاء إلى بعضهم، فتحت عيونهم وأفواههم تعجباً، قال الصديق الذي جلس بجانبه "أنت مجنون"

"فعلاً! أنا مجنون إن لم أذهب للحديث معها الآن" نهض تاركاً محاولات الأصدقاء بمنعه تتساقط خلفه.

تابع الأصدقاء بترقب صديقهم الذي يتجه برجليه لمشهد الصفعة، لقد شاهدوا ذلك كثيراً في الأفلام، وها هم يشهدون تقليداً رديئاً حي، شربوا الماء مبكراً لكي لا يحشرج الماء أنفاسهم عند انفجار الضحك القادم، كانوا على أهبة الاستعداد للسخرية.

سحب عادل كرسياً وضعه بجانب الفتاة، التفتت نحوه، صرخت "عادل" وقد استنار وجهها بهجة، ثم ضمته بحرارة.

قال صديق "يا ابن المحظوظة"

----

- السير على الحبال -

حملت حقيبتها وهاتفها فوراً بعد العناق، شدته من معصمه، خرجا من المطعم دون أن يعود عادل لأخذ الهاتف أو المحفظة ودون أن ينبسا ببنت شفة وكأنهما وقعا على اتفاق مفصل دقيق، مما أثار حسد أصدقائهما.

ركبا سيارتها، أغلق الباب، فُتحتْ الأضواء، مرت دقائق في دهشة وصمت، يحدقان في بعضهما، في الضوء، في داخل السيارة، في الشارع، وبسمة عريضة التصقت بالشفاه والعيون، ثم قال عادل رافعاً حاجبيه "واه! لم أظن إنها أنتِ ولا للحظة… نُوار! تغيرتِ!"

بافتخار طفولي لا يناسب مظهرها الناضج "أبدو فتاةً من المدينة، صحيح؟"

"إلا حين تتحدثين" ينظر إلى الخارج مغطياً فمه بيده اليسرى، كاتماً ضحكته.

ضحكت "لم تتغير… تركنا رقي المدن البارد لك، ما أحلى استرخاء ودفء وبهجة الجزر!"

"كبرتِ للغاية"

"إنها أربع سنوات… أنا على وشك التخرج"

"وأنا على وشك توديع عشريناتي"

"أريد أن أسمع قصصك… ماذا حصل لك؟ لماذا ما زلت تغازل فتيات لا تعرفهن؟ أين ذهبن كل الفتيات اللواتي كنت تحدثني عنهن؟"

يسند ذراعه إلى حافة النافذة "هذه قصص طويلة، رغبتُ أن تُختم اليوم بلقاء قدري…"

تتساقط الدموع من عينيها ضحكاً، يهتز كتفيها، ويتحرك جذعها روحة ومجيئاً "يا حسرتي عليك! من دون كل الفتيات أنا؟"

يتظاهر بالانزعاج

"آسفة… لكن الموقف مضحك، وقد افتقدت حقاً أحاديث كهذه"

"لنذهب لتناول الطعام، أنا جائـ~~~ــع"

"حسناً، سأدعوك لهذا اليوم، لقد أضحكتني"

----

موسيقى مصاحبة

في مطعم للوجبات السريعة…

"هذه ليست دعوة مقبولة"

تُحرك خواتمها وهي تنظر لها "إذن سأدعوك مجدداً" ثم تحدق فيه "على أية حال لدي الكثير من الأحاديث لقولها"

يتظاهر بالامتعاض "ما زلت تجعلين الشخص المقابل يبدو سيئاً"

"ربما هو سيء فعلاً"

"هل تشيرين إلى إنني سيئ؟"

تقهقه "أقول لو شعر أحدهم -الذي هو ليس أنت- لوقت طويل بسبب الآخرين إنه سيئ، فلعله سيئ فعلاً…"

"آها؟"

"وهذا ليس أنت لأنك ستستمع لي… لدي الكثير من الكلام في جوفي"

"أخبريني… هل التقيت بوالدتك؟"

"نعم، مباشرة، هي من أعانتني على التسجيل في الجامعة، وهذبت شكلي كما ترى"

"وهل كانت سيئة؟"

"هي محامية، لدي أخ وأخت أصغر مني بما يزيد عن سبع سنوات… لا أظن إنها سيئة"

"ماذا تعنين؟"

"لا أعرف، لديها حياة كاملة من دوني، ولدي حياتي، نلتقي مرة كل عدة أسابيع أو أشهر… علاقتنا، كيف نصفها؟" حدقت بالسقف "رسمية! نعم، هي علاقة رسمية"

"هذا رائع"

"نعم، إن نظرت لها من هذا الجانب… كان من المحتمل أن يكون الأمر أسوأ"

"تبدين محبطة"

"كنت… ظننتُ إن والدي سيكون مخطئاً في حقها أو على الأقل هناك سوء فهم، وهي أمي الحنون الدافئة التي سترحب بي وتعانقني عناقاً طويلاً كما الأفلام، هذا هو شكل اللقاء الذي تمنيته" ضحكت ساخرة "لكنها لم تبرر ما حصل حين رويت لها رواية والدي للأحداث، تظاهرت إنها لم تسمع، ويبدو -كما عرفت لاحقاً- إنها لم تبحث عني، لذا حين أقول إنك عائلتي الوحيدة، رجاءً تفهم، لا تدع الأمر يثقلك"

بلهجة ودودة وهو يفرك كفيه ببعضهما "نحن عائلة، لا يحتاج الأمر للتفهم… أنت من شعرت بالثقل وقطعت الروابط وتركتني وحيداً، دعيني أذكركِ"

أطلقت ضحكة صادقة، وشرعت تتحدث بسرعة "كنتُ قروية ساذجة، أخذتُ أكياس فواكه كهدايا عند زيارة أصدقائي، و..."

"دعيني أحزر، ارتديت ملابس ملونة وذات نقوش"

"تماماً"

"كنتُ قروياً ساذجاً أيضاً"

"هل كنتَ تتحدث بلطف مع الغرباء ويعاملونك كمجرم؟"

"لم أكن اجتماعياً لحسن حظي!"

"إذن هل حيرتك العلاقات العاطفية هنا؟"

"العلاقات محيرة بطبعها"

رن الجرس، جهُز الطلب، حاول أن ينهض عادل لجلب الطلب، لكنها أمسكت يده ونهضت بخفة قبل أن يدرك، نهض ليتبعها لكنه توقف برهة وعينه تتابعها، مندهشاً لم يستطع أن يستوعب، هل حقاً إن التقى بها بهذه السهولة؟ إنه لمن المذهل كيف إنهما يتواصلان وكأنهما افترقا بالأمس، ومن العجيب أنه يشعر بكل هذه الراحة وكأنه اغتسل بمياه الينابيع المقدسة التي طهرت روحه من الخطايا، هل كانت متعباً لهذه الدرجة؟ أطلق تنهيدة...

"لماذا تتنهد أيها الشاب الوحيد؟" قالت بالقرب منه وهي حاملة صواني شطائر البرغر، أزّ مستيقظاً من أحلام يقظته، ابتسم وأخذ منها الصينية، وعادا إلى طاولتهما.

"في ماذا كنتَ تفكر؟"

"في لقائنا العجيب"

"إنه عجيب حقاً، أتفق"

"ماذا تريدين القول؟"

تجمع المملحة وعلبة المحارم وعلب البطاطا وكؤوس الكولا في زاوية واحدة "تخيل هؤلاء مجموعة أصدقاء مع بعضهم البعض، المحارم لديها علاقة بالبطاطا، والمملحة تحب الكولا وهكذا… لكنهم لا يقولون" تصدر صوت قرقعة بأصبعيها "يكتمون، ثم يعبرون بطرق غير مناسبة وتحت مسميات غريبة، هناك حب تحت مسمى الصداقة، وهناك إعجاب خفيف لشحن الغرور الشخصي، وهناك إعجاب للتسلية، وهناك لقاءات لملء وقت الفراغ والإلهاء عن شيء آخر، وهناك حب من طرف واحد لكن ليس هذا الحب السامي الشاعري الذي نعرفه، شخص ما يلتصق بشخص آخر على الرغم من إن الطرف الأول يعرف بمشاعر الطرف الذي يحب من طرف واحد ولكنهما يقرران الاستحمار للمضي بعلاقة سقيمة، وهناك ألعاب حب لتطوير قدرات المغازلة، وهناك أمور سخيفة أخرى، لم يكن الأمر هكذا على الجزيرة، الأمور كانت منعشة، إما أن نحب أو ألا نحب، إما رفض أو موافقة، بعد الرفض قد يبقى التقدير والاحترام، لكن ليس مواعيد وغرام وأنا قد رفضت هذا الشخص!... ما هذا؟!"

"كيف عرفتِ ما يجري بالجزيرة؟"

"لأن من أحبوني وتقدموا للزواج بي كُثر… لكني كنتُ مشغولة كما تعلم"

"ليس لأنكِ كنتِ متزوجة؟ هذه خيانة! وتعترفين بها أمامي؟ يا للهول!"

تحك أسفل رقبتها بلا مبالاة وكسل، أسندت ذراعها اليسرى على الطاولة "لم يكن أمراً سعيداً لكلينا، دعنا لا نذكره" أشاحت بكفها اليسرى.

"أنتِ مدنية بالكامل الآن!"

"أجد إنكَ أصبحت ذو بصيرة، لذا سأسألك باعتبارك رجل"

"أنا رجل" ساخراً "اسألي" ضرب وجهه بكفه اليمنى ثم أسند رأسه عليه، وأخذ باليد الأخرى أصابع بطاطا حشرها في فمه.

"اسمعني… أتيت إلى المدينة لأقع في الحب… صحيح؟"

"يخيل لي إنكِ ذكرتِ ذلك"

"لكنني وقعت في الحب ثلاث مرات حتى الآن"

"سعيد لأنكِ حققتِ أمنياتكِ، ما المشكلة؟"

"إنني ما زلتُ واقعة في حبهم جميعهم… ولحسن أو لسوء حظي، إنهم يحبونني أيضاً"

"يا للهول! أنت مفترسة"

"اسمعني، ستفهم عندما تعرف القصة...



*ومضة*

-نقي كالبلور-

موسيقى مصاحبة


جالسة على المصطبة الحجرية تستقبل أيام أيار البهية الأولى، الرياح عاتية، السماء صافية فاتحة براقة، الغيوم خفيفة شفافة تحجب ضياء الشمس برقة، وكل ما تحت ذلك الضياء زاهٍ، أشجار خضراء، لاعبون يركضون منهكمين في ملعب مترامي الأطراف وكأن لا وجود للحياة خارج حدوده، أزياؤهم الصفراء والزمردية تجعلهم بارزين وكأن كل ما حولهم ببعدين وهم وحدهم ثلاثيو الأبعاد.

عزفت الرياح مقطوعات موسيقية من أجل حسناوات أمثالها يجدن الترقب ويعثرن على البدايات ليغلفنها بالدهشة.

سار نحوها مسرعاً، متوسط الطول، أشعث الشعر، يرتدي نظارات كبيرة، وعلى ظهره حقيبة متهدلة، وملابسه بيضاء مريحة، جلس أمامها مبتسماً بإشراق، وقال "مرحباً… أنا سديم"

أطالت النظر إليه، ابتسمت، خفق قلبها، مرة، واثنين، وثلاثة...

كان الجو جميلاً لدرجة حركت كل القلوب لتخفق بشدة وعلى نفس الإيقاع.


----

أذيب شعور نُوار بعدم الانتماء للطلاب الذين يصغرونها بعدة سنوات بواسطة كل الأوقات الصادقة التي منحها إياها سديم، مرت ساعات النقاش والدراسة في المكتبة مع سديم بسلاسة ومتعة، ربما لأنه كان الأول على القسم وكان يمتلك قدرة إقناع وإفهام وذكاء متميز، أو لأنها كانت متعطشة للعلم، لم تعلم السبب، لكنها بالتأكيد علمت إن بفضله لا يمكن للتعلم أن يصبح أفضل، وإنها تعيش حلماً غالياً كان بعيداً بعد الثلوج عن الصحاري،

كل محاضرة، كل امتحان، كل نتائج... هي تصبح أكثر سعادة.

----

كان يوماً عصيباً حين لم تستطع الإجابة على أسئلة الامتحان بعد أن قضت أسابيع الصيف تدرس له، وحين لم تتلقى دعوة لحضور حفل سيجمع كل الطلاب، مطأطئة الرأس، تحرك ركبتيها فتتصادما، تطلق تأوهات مكتومة، الرجوع للمنزل وحيدة في أواخر يوم صيف ذاوٍ هو آخر ما ترغب به.

حياها سديم من بعيد، فلم تره حتى جلس بجانبها، أنزل حقيبته، ونظر لها، قالت من غير شعور "ها أنت هنا!"

"إنه امتحان واحد بين كثير من الامتحانات السابقة واللاحقة"

"صحيح"

مضى وقت قبل أن تقول "لكنني أشعر بالبؤس، الغربة، الوحدة… فقدت سبب السعادة"

انحنى سديم ليتقابل وجهيهما، تفاجأت، ضحك ببراءة "لقد ظننتُ إنكِ كنغر"

ضحكته المعدية انتقلت لها، فضحكت "ولمَ؟"

تحدث بخفة محركاً كتفيه وكفيه "تتحدثين ككنغر يحمل آخرين في جعبته دائماً، نحن بشر! كلنا وحيدون بالنهاية، أشكال وحدتنا تختلف فحسب" اندهشت، لم يبدو كشخص يقول كلاماً مؤثراً، لقد كان يبدو محض طالب ذكي، لكنه يتألق الآن، يصدر عنه بريق ساطع، إنه يتحدث كبشري له أحاسيس، قد لا يفتقر للمهارات الاجتماعية كما ظنت.

"حين تكون قروياً مختلفاً ستتعرض لأسوأ أنواع الوحدة"

جلس على الأرض، تربع، هلعت "انهض، ثيابك البيضاء ستتسخ"

"البحارة يتخبطون عند السير على اليابسة، ويوصفون بالثملين، هذه المشية العجيبة هي فخرهم لأنهم قضوا أشهر من المغامرات الفريدة في أعالي البحار، وتحملوا أهوالاً لا يتحملها الآخرين"

"إذن تعني إنني بحارة؟"

"نعم، وعلى سطح السفينة هناك كثر أشباهك"

"هذا رائع، أنت لستَ ذكياً فقط، بل حكيم أيضاً"

ضحك خجلاً، تلاعب بأصابعه، عبث بشعر مؤخرة رأسه، نهض فتعثر، حمل حقيبته متوتراً، "هذا ما أردت قوله لك منذ زمن، وداعاً"، لوح لها مواجهاً لها بظهره، ثم غادر مسرعاً.


-----

"ما رأيك بهذا؟"

"إنه يحبك"

"أعلم… وأنا أحبه"

"لكنه أحمق قليلاً، لا يليق بك"

"هذا الأحمق أنهى الجامعة في سنتين ونصف، والآن يدرس الماجستير... على الأرجح سيكملها"

"مع هذا… إنه بليد، ماذا عن الآخر؟"

"الآخر؟… في وقت آخر"

طرق على الطاولة محبطاً "لماذا؟"

هزت كتفها وقطبت جبينها مستاءة "هل أقص لك قصة الآن؟! إنها حياتي وأنا حائرة، إنه أمر جدي، استمع وفكر، عليك مساعدتي في إيجاد الجواب"

أخذ كوب الكولا ونهض مغادراً "لا أريد"

"أنا أريد… غداً سأمر عليك"




-صفحات-

How deep is your love


أمام المرآة يصفف شعره، يتعطر، يتأكد من تثبيت رباط عنقه، يبتسم بثقة للمرآة ويغمز لها، يبدو كطاووس فخور، يسير خطوتين مبتعداً ثم يستدير عائداً نحو المرآة ويضع المزيد من الدهان المثبت للشعر، يحدق في وجهه، تتشربه الحقيقة، تذوب ساقاه فلا تحملانه، يتمدد على الأرض قائلاً "لن أذهب"

يصرخ بصوت جهوري "لا تكن غبياً أيها البطل... ستذهب"


-----


جالس في سيارته ينتظرها، يلعب لعبة تحطيم السكاكر في هاتفه لتخفيف توتره، تصل دون أن يلاحظها، ترفع نظاراتها الشمسية وتخفض رأسها لتحيه، وقبل أن تتحدث يلتفت نحوها مزهواً جَذِلاً "اصعدي، سنأكل البوظة"

"يومك سعيد بالفعل!"

"لدي مهاراتي" يرفع حاجبيه بفخر

أنت محق"

-----


موسيقى مصاحبة

*ومضة*

الأصدقاء الأربعة في منزل واحد منهم للعب ألعاب إلكترونية، عادل مستلقٍ في الزاوية، متكدر البال، جاد بإفراط، منعزل في أفكاره الخاصة، قطع صمته بسؤال أطلقه ليسبح في الفضاء "كيف يمكن الحصول على إعجاب امرأة؟"

أجاب صديق "إعجابها أم حبها؟"

نظر له بانزعاج "وكيف يختلف الأمر أيها الفيلسوف؟"

يحدق في الشاشة مركزاً في لعبته بينما يتحدث باستعلاء "لنيل إعجاب امرأة كن رائعاً، لتحريك قلب امرأة اجعلها تشعر كم هي رائعة" نظر نحو عادل نظرة حازمة، رمى مقبض التحكم في حجره، وأشار بكفيه المتعامدتان مع الأرض والمصوبتان نحو عادل "انصت باهتمام لكل أحاديثها"

أومئ الجميع بالموافقة، وبالكاد غالبوا رغبتهم بالتصفيق.


------

عقد العزم على أن لا ينطق بكلمة واحدة عن نفسه، لذا أنصت لمديحها للبوظة وجاراها بكلمات بسيطة حتى قالت "تبدو متعباً اليوم"

"لماذا؟ على العكس، أنا في كامل نشاطي"

"أراك لا تتحدث ولا تسأل"

"صغيرتي، أنا أتحدث ولكن بعيني"

"وماذا تقول بعينيك؟"

"أنا مشتاق"

اتسعت حدقتها، ابتلعت ريقها، ثم قالت "لمن؟ من هي سعيدة الحظ؟"

تدارك "للقصة التي يُفترض أن تحدثيني عنها، يهمني أن أعرف ماذا حصل معك طيلة هذه المدة" بصوت واثق "أريد أن أرشدك!"

فترت شفتاها عن ابتسامة "أشعر بأن لدي جذور مجدداً"

دفع هاتفه ومفاتيح سيارته جانباً، وقال "والآن آنستي تفضلي بالحديث"


*ومضة*

موسيقى مصاحبة

على المدرجات جالسة تضع يدها على خدها تحدق في الجدار على يسارها في ملل، تنتظر قدوم مُحاضر مادة الوعي التأريخي وقضاياه التي لا تعلم لماذا عليها أخذها، يحيها شاب بابتسامة جانبية رافعاً حاجبيه، مصفف الشعر بشكل مبالغ، ملابسه تجمع بين الأناقة الكلاسيكية والحديثة، طويل، يبدو وكأنه ذلك الفتى الذي ستحبه كل فتيات الجامعة وسيقتلونها إن حيته لذا التفتت إلى الاتجاه الآخر.

رمى أوراقه، وحقيبته في بداية المدرج، وجلس بانسيابية، مغلقاً الطريق للوصول إلى نُوار، وتاركاً مسافة تقارب مترين بينهما.

"هل لديك المحاضرات السابقة؟" سألها بصوت عالٍ

"نعم"

قرب أوراقه قليلاً منها ثم انزلق ماداً يديه عارضاً شاشة هاتفه ورقمه يسطع منها.

"لعلك ترسليها لي على رقمي، لم أستطع الحضور في المحاضرات السابقة"

"لماذا؟" بتعاطف عفوي

"لو كنتُ علمتُ إنك هنا لحضرت"

امتقع وجهها، ارتفع حاجبيها، أطلقت زفرة أنفية قصيرة ساخرة ومتعجبة غصت بها وسعلت حتى اختنقت، ربتت على صدرها، فلم تتوقف، زحلق لها قنينة ماء على المنضدة، لم تأخذها، ثم دخل المُحاضر، فظنت إنها أنقذت.

حاولت نُوار عبثاً أثناء المحاضرة أن تركز على ما يقوله المُحاضر، كان يناقشها حول كل موضوع، ينزلق مقترباً شيئاً فشيئاً حتى وجدته جالساً بجانبها تماماً.

قال المحاضر أثناء تسجيل الحضور "أيها الفتى الجديد، ابق، وليخرج الجميع"

نظر لها وقال هامساً "انتظريني، سأعود"

أطلقت تنهيدة ارتياح، وحاولت ألا تجعل حقيقة إنها تجري بأسرع ما عندها لكي لا ترى وجهه ثانية أبداً تبدو ظاهرة للعيان جداً.

ذهبت إلى المقهى لتشتري كأس العصير الأكبر لعله يخفض حرارة رأسها المشتعل من الغيظ، وخشية أن تصادفه قبضت على كأس العصير وركضت لتنزوي خلف البناية الأبعد، رمت حقيبتها، ومحاضراتها، ووضعت رأسها على الطاولة، وألصقت كأس العصير بخدها مغمضة عينيها، جلس أحد ما بجانبها، فتحت عينيها، صرخت صرخة مدوية، وضعت يدها على فمها المفتوح على اتساعه،

ثم قالت "يا إلهي! كيف عثرت علي؟"

ينظر في عينيها دون أن يطرف، مبتسماً باطمئنان وثقة "قلبي عثر عليك. ألم أقل لك انتظري؟"

"أنا مشغولة"

"لا يبدو لي إنك مشغولة، يبدو إنك تهربين"

تحيرت كيف تتخلص من هذه الورطة، نظرت يميناً يساراً لا أحد غيرهما

قال مُراعياً "لدي مُحاضرة الآن، لنلتقي لاحقاً!" ربت على كتفها وغادر.

----

في ظهيرة يوم ما بينما كانت في الجامعة تقضي أوقاتها في الدراسة في المكتبة، ورد نُوار اتصال جعل وجهها يمتقع، وجبينها يتغضن، سارت بخطوات سريعة وبمسار متعرج، ركبت أول سيارة أجرة حين وصلت إلى الشارع، ركب من الباب الأخرى الرفيق العجيب الجديد، وقال للسائق "انطلق" ثم أردف "نُوار! أين سنذهب؟"

لم يغلق فمها من الصدمة، لا تعرف كيف تستوعب الموقف أو تفهم تصرفات هذا الكائن، كيف عليها أن تشعر أو تتصرف؟ هل تطلب منه أن ينزل بأدب؟ هل تصرخ؟ هل تضربه بحقيبتها؟ هل ترمي نفسها خارج السيارة؟ هل تتصل بالشرطة؟

"لم تردي" قال مقاطعاً أفكارها

"لماذا؟"

"لنصل إلى حيث نريد بالطبع"

"لماذا أنت هنا؟"

"لأنكِ جميلة"

توقف قلبها، ثم تمالكت نفسها وتنحنحت "ولكن الجمال زائل"

"ولهذا بالضبط علينا أن نمتدحه ونقدره قبل أن يرحل، ألا تتفقين؟" غمز بعينه اليمنى.

السائق "الآن ألن تخبروني إلى أين أوصلكما؟"

تذكرت فجأة "صحيح، معذرة! علينا أن نذهب إلى مكان ما… حي الزهور من فضلك"

"فتاة جميلة ومهذبة أيضاً؟ هذا كثير"

"هلا نزلت"

"ستحتاجين لي"

"وهل تعلم إلى أين ذاهبة؟"

"إلى أين؟"

"هناك حريق في العمارة أصيبت به ابنة إحدى العوائل المستأجِرة"

نظر لها بثقة مبتسماً "أرأيتِ؟ ستحتاجين إلى شخص ما، سيكون لي نفع، احتفظي بي حالياَ"

أشاحت ببصرها عنه لأنها لا تستطيع أن تحتمل المزيد من النزاعات، طاقتها تريد الاحتفاظ بها لفعل ما يلزم حين تصل إلى وجهتها.

----

بدأت تجده في كل مكان حولها فجأة، في كل مهرجان أو ندوة أو نشاط تشارك فيه، في كل شارع تمر منه، وكل مطعم أو استراحة أو مكتبة تزورها، لا تعرف عنه شيئاً سوى إن اسمه رائد، متخوفة منه كانت بل هلعة لكنه كان مباشراً مباغتاً وناعماً مراعياً في الآن نفسه، أحاديثه ذكية وممتعة، الساعات تجري معه كأنها لحظات، غازلها كأنه لم يكن يغازلها، كانت أفعاله تثير جنونها، لا تعلم إن كانت تفسرها بشكل صحيح أم إن تفسيراتها نتيجة لتضخم ذاتها الأنانية، بحثت عنه في الأيام التي لم تره فيها، افتقدته حين غاب وحاولت السيطرة على نفسها بإشغال وقتها مع الأصدقاء، لكنهم كانوا رماديين باهتين بلا نكهة، ولأول مرة أرادت أن تتملك أحداً وتخفيه عن العالم وهذه ليست إحدى صفاتها.

----

كان عصر يوم صيفي، الشمس مائلة قليلاً، تتمشى برفقة أصدقائها، وجوههم حمراء تعلن المرح، تضحك مبتهجة وتأكل البوظة، يأخذون الصور، ويناقشون إمكانية ترك المحاضرة الأخيرة والذهاب إلى حفل موسيقى صغير لفرقة من طلاب الجامعة.

راقبها مبتسم العينين، بهيج المزاج.

ثم قالت "سأرمى أغراضي في الدولاب وأعود"

تبعها...

أغلقت الدولاب، فوجدته أمامها ثابتاً راسخاً ينظر لها بعينيه اللامعتين كقطع الثريا متساقطاً منهما السكاكر والنجوم، قفزت فزعاً ظانة إنها ترى خيالاً "يا إلهي!"

ابتسامته الرائقة التي لا تبدو كابتسامة إلا لمن يعرفه تعلو وجهه الفاتح والمؤطر بشعره وعينيه وسترته السود، توقف قلبها وأعيد لينبض كصوت هدم المباني، حاولت التغطية على ذلك بضحكة وتعليق أسعفتها فيه سرعة بديهتها "بطل الظهور من العدم"

"أوووف" أطلق نفساً رافعاً حاجبيه بجدية

أردف "لن أستطيع أكثر من ذلك"

اقترب منها خطوة كبيرة واحدة "أنا رائد، ثالثة قانون، معجبٌ بكِ"

"منذ متى؟"

"وأنتِ معجبة بي"

"نعم؟" احمرت وجنتيها، واستقرت حدقتي عينيها عليه

"دعينا لا نهدر هذا الشعور، وهذه اللحظة... هما كل ما نملك"

ربت على كتفها، استاءت، قومت شعرها لتقوم مزاجها وتتماسك، ابتسم، رفع أنفه، وكأنه ينظر لطفلة مدللة.

أحاط كتفها بذراعه "هيا، لنذهب إلى الحفل، أصدقاؤك ينتظرون"


----

"لا تقولي لي إنك أحببتِ شخصاً مثله"

"لا يوجد مانع من حبه فيما أعتقد؟"

"أنتن النساء… تنخدعن بهؤلاء اللعوبين بسهولة"

"على الأقل ننخدع بالرجال الذين يبذلون الجهود، أنتم تخدعون بأول فتاة تلوح لكم، دعني أذكرك إنك بمجرد رؤية ظهر امرأة آمنت إنك التقيت امرأتك القدرية"

خفت صوته وتقطع "ما شأن ذلك؟ المهم… نعم، المهم إن هذا الرجل خطير"

"لماذا؟"

"لأن الألم المتولد حين تنفصلين عنه مرعب"

"ولماذا سأنفصل عنه؟"

"ألا تروين قصصك لأنك حائرة؟"

"هذا صحيح"

"سأخبركِ بصدق، هذا الرجل مدعٍ، هو ليس أنيقاً أو لبقاً حقاً، في المنزل لا بد إنني أبدو أكثر نظافةً وترتيباً منه، كما إنكما ستحبان بعضكما بجنون لفترة، ثم ستمنحان بعضكما آلاماً لا تُنسى"


تستمع نُوار باهتمام وتومئ "هذا ما شعرتُ به أيضاً لهذا هناك شخص ثالث"

"كم من الوقت علي أن أهدر وأنا أستمع لقصص حبك؟"

تومض عينيها متعجبة "ألستَ أنت من أراد إرشادي؟"


-حياة يومية متلألئة-

تقف أمام المبنى حيث يعمل عادل، مرتدية بنطال أصفر وقميص أبيض، تسير بخط مستقيم متقدمة نحو البوابة ثم تنحرف مبتعدة، ثم تعود، فكرت مراراً إن كان عليها أن تتراجع الآن لكي لا تستمع إلى توبيخ، لكي لا تكون ضيفاً مزعجاً، ثم توصلت إلى قرار، عليها أن تختفي الآن.

رآها عادل خارجاً من العمل مع رفاقه الثلاثة، قال له صديقه "أليست هي؟"

بابتسامة انتصار عريضة "نعم، هي...هي"

اتجه نحوها مسرعاً، قال صديق آخر ملعقاً "النساء يحببن الرجل الثقيل"

تعثر أثناء سيره

قال الصديق الثالث وهو يهز رأسه متأسفاً "عدا عن كونه ثقيل الوزن، لا يوجد سوى هيلوم"

قال الصديق الأول "أشعر بالخجل من كونه في فريق الرجال… لقد فقدنا خيرة الرجال" تنهد "كان يجعل جميع النساء يسقطن في راحة يده بمجرد نظرة من عينيه"

قال الصديق الذي يقف في المنتصف "دعونا نتناول وجبة لننسى ما رأيناه" يحيط كتفي صديقيه بذراعيه

يقولان غير ممانعين "حسناً"

----

موسيقى مصاحبة


يناديها بصوت عالٍ "نُوار" فتحلو في عينه الحياة، ويصبح الاسم أغنية حب تجعل القلوب تخفق، ناداها ليس ليناديها، بل ليعانق قلبه اسمها، وليُعلِم العالم إنه هناك قصة قديمة ربطتهما، تاركاً نفسه تُحمل على أمواج تلك المشاعر، ناداها فتحولت القصة إلى كيان مرئي، وعاشت ماثلة أمام الجموع ولم تتلاش على رفوف ذكريات.


التفت له بكليتها مقبلة "خشيتُ أن يكون لديك أعمال مهمة"

"مراعاتك تصبح أحياناً كأنها شتائم"

هزت رأسها موافقة مذعنة "أعلم… آسفة"

"لديك مهارة في جعلي أبدو مريعاً"

"ألستَ مريعاً أصلاً؟"

انحنى من الضحك، ثم جلس القرفصاء رامياً بحقيبته أرضاً، نظر لها "هكذا أفضل"

حملت حقيبته متذمرة، نهض وهو ينفض الأتربة "الآن أخبريني لماذا أتيت؟ لا بد إن هناك سبب وجيه"

"ثلاجتي تعطلت، من فضلك… هلا ذهبت معي لشراء ثلاجة؟"

نظر لها بحنو وذهول مبتسماً ابتسامة متحفظة

مستفسرة "ماذا؟ هل قلت شيئاً خاطئاً؟"

"لقد كَبُرتِ" يضع كفه على صدره فخوراً "هنا دافئ بشدة"

أحنت رأسها "تتحدث كأنكَ أبي أو ما شابه"

"لا يعجبكِ؟"

"على العكس"


----

"يمكننا شرب قهوة باردة بينما تتحدثين صحيح؟" أردف "أشعر بالعطش"

"لكنني أريد السير والتحدث، هذه القصة للتو ستبدأ، وهي الأكثر قرباً لقلبي" تسير وهي عائدة للخلف لكي تحدث عادل

"كلهم مقربون لقلبك، أقسم بأبيك إنني أشعر بجانبك أنني ناسك"

"بكل علاقاتك؟ تحسدني على شعور أو اثنين؟ يا لك من لئيم!" تتعثر وتكاد تصدم بأحد المارة، فيسارع بإمساكها، يتجمدان على هذا الحال لثوان، ثم تعبس قائلة "لماذا لم تتركني أسقط لتكسر قدمي وترتاح من أحاديثي؟"

يتركها مغتاظاً "ليتني فعلت!"

"لكن قبل أن تصبح ناسك وقبل أن تُكسر ساقي، سأدعوكَ إلى قهوة لتستمع لبقية القصة وتخبرني برأيك"

"دعيني أفكر" يعبث بهاتفه غير مهتماً

بصوت إعلاني يجذب الانتباه ومصر على تحقيق الهدف"سأدعوك إلى قهوة وأنواع الحلويات، أنا شاكرة لما قدمته لي اليوم"

"موافق"

يدخلان المقهى، ويؤكدان الطلب ويجلسان في الزاوية الأهدأ بعيداً عن بقية الزبائن والإضاءة الجيدة للتصوير.

"قل لي أين توقفنا؟"

"عندما ذهبت في رحلة العطلة الصيفية مع صديقتك الصيف الماضي"

"آه! صحيح، وهناك التقيت أيمن… أيمن كان الأكثر مسؤولية وحناناً على الإطلاق، مهندس في شركة اتصالات، عطوف المحيا، دافئ، أشقر الشعر، كثير الابتسام، طيب بحق، يؤلمني قلبي كلما تذكرته، عينيه نظراتهما احتضان، صوته حين يقول تلك الكلمات القليلة كاللؤلؤ كله وئام ورسوخ، يحمل حقائب البنات وكأن ذلك واجبه..."

متعجباً "أنا أحمل حقيبتك أيضاً"

"لأنك أنت أنت وأنا أنا ونحن عائلة… لكن افهمني، هو يساعد نساء عائلته كلهن لأنهن نساء"

"هذا الرجل لا يحترم قوة النساء"

"هل يمكنك الاستماع وأنت صامت؟!" سحبت صحن الحلوى

"حسناً… حسناً، كنتُ أمزح، اكملي" أعاد أخذ الحلوى

"تشعر إنه من زمن مختلف، يعتني بالنساء حتى تكاد المرأة التي لا تشعر إنها امرأة إنها كذلك، هو يعامل الجميع بشكل حسن، لديه طريقته في فعل الأشياء، طريقته الأكثر دفئاً، أريد الزواج به، سيكون رائعاً إن أصبح أباً! سأساعده في ذلك" تتحدث بجدية

"يا لك من مضحية!"

"لقد كان يعتني بي عن طريق إخبار أخته أن تعتني بي... كرجل من الزمن الغابر، كان يجلب الحلوى والمثلجات التي أحب، يأخذنا إلى أماكن ذكرت إنني أريد الذهاب إليها، توقعتُ إن ذلك مصادفة، لكنه كان مهتماً حقاً… حتى إنه نسق لي أمر التدريب الصيفي في مكان مفيد للغاية لمسيرتي المهنية"

"أكملت رجال هذا الزمن ثم ذهبت تبحثين عن الزمن الغابر، يا لك من عظيمة!"

"لم أكن أعلم ذلك في البداية… لم أتقصد... على كل حال أريد الزواج به"

"ابنتي، إنه زواج وليس لعبة تريدين الحصول عليها"

"لذلك أنا حائرة! ساعدني… التقي بهم مثلاً دون أن يعرفوا إنك من طرفي مثلاً… وأخبرني من هو المناسب بينهم"

"لستُ أنا من سأتزوجهم… لكن لو كنتُ أنا لما تزوجت أحداً منهم…. كلهم ليسوا مناسبين لك، كلهم يجعلونك تتصرفين بطريقة لا تشبهك، عليك أن تختاري شخصاً لا تتغيرين من أجله، أنت على طبيعتك طيبة ومحبوبة، فيك مزيج من نقاء وعطف ومغامرة وصدق الجزيرة وتجدد وذكاء المدينة"

تطلق زفيراً طويلاً، تنحني حتى تصل إلى قصبة كوب القهوة، وتشرب بإحباط

"ما بكِ؟"

"أنت محق للغاية، ولا أريدك أن تكون محقاً لهذه الدرجة… أحبهم جميعاً، أريدهم جميعاً"

"لو أحببتِ أحدهم حقاً لما دق قلبك لأحد غيره، ولو أَحَبوكِ كما تستحقين لما أشعروك بكل هذه الحيرة"

"إدارة الأملاك، والعمل في الفندق، والدراسة، والتدريب الصيفي، كلها أمور أكثر بساطة بكثير من قضايا المشاعر"

"مُحقة لأول مرة في منذ فترة طويلة من الهراء"

"خطأي إني فتحت لك قلبي"

"حسناً… سأذهب للقائهم… سأذهب"

رفعت رأسها وقد ازدهر وجهها واستنار بابتسامة عفوية "إذن سأدعوك إلى حفل تخرجي… رجاءً تعال هذه المرة… لا أريد أن أشعر بالوحدة للمرة الثانية"

"وأنا سأدعوك للقاء أصدقائي"

"حسناً! موافقة" تتألق عينيها بالحماسة



*ومضة*

يستمع عادل إلى إذاعة المساء في طريق عودته من العمل، كان الحديث عن العلاقات والحب، وكانت المذيع يقدم حلولاً رائعة لذا في أول زحام مروري خانق أمام إشارة مرور، وبكل الإحباط والخجل اتصل على ذلك البرنامج

"اسمي سمير، أنا من الجنوب، لدي مشكلة، من أحبها تستشيرني في مشاعر الحب التي تكنها لرجال آخرين، إنها لا تراني، ربما لأنها عرفتني منذ الصغر، لا أعلم"

المذيع "عزيزي سمير نحن كبشر نحن نقدر الأشياء القادمة من مجاميع أكثر من الأشياء حين تكون بمفردها، مثلاً الموسيقي من بلاد معروفة بالموسيقى يلاقي استحسان أكبر من موسيقى من بلاد تهتم بالهندسة، الهاتف مصنع بواسطة شركة تختص بالهواتف أكثر جذباً من هاتف مصنع بواسطة شركة تصنع منتجات إلكترونية متنوعة، بغض النظر عن جودة الشيء نفسه، الناس لا تحب أن تتعب عقلها بالتفكير والمقارنة.

لذا يا صديقي سمير لا بد إنك تنتمي إلى مكان تبدو فيه رائعاً أكثر من أيام طفولتك، عرفها على أصدقائك، على محيطك، إن رأت أصدقاءك المميزين ستقول (آه! لا بد إنه مميز ليكون هؤلاء أصدقاؤه)، اجلبها إلى محيطك بدل أن تذهب إلى محيطها، دعها تعرف كم إنك موضع تقدير وتبجيل من قبل أقرانك الأكثر وسامةً وذكاءً ونجاحاً"

"يا لها من نصيحة فذة! سأعمل بها"



-النجاح الذي يتضاعف بالقسمة-

موسيقى مصاحبة

أمام بوابة قاعة المؤتمرات والاحتفالات يقف الطلاب لاستقبال عوائلهم وإرشادهم إلى مقاعدهم، وحدهم أولئك الطلاب الذين لا يتوقعون قدوم أحد أو لا يرغبون بأن يذكرهم أحد تطوعوا منذ أيام من أجل تنظيم حفل التخرج وكانت نُوار قائدتهم.

انقطعت أخبار عادل لأيام سبقت حفل تخرجها، اتصلت مرة لم يجب، فتجاهلته.

شعرت بنفس الإحباط الذي نشعر به عندما نفتح علبة المحارم الورقية لأول مرة فتخرج مجموعة محارم كثيرة ممزقة لا فائدة ترجى منها، إنه إحباط متوقع، لكنه محبط في كل مرة.

تحي الأساتذة بابتسامة، يشكرونها لحسن إدارتها، تنطلق المراسيم، تجلس في الصف بجانب الطلاب الخريجين مرتدية رداء وقبعة التخرج، كل الطلاب يحملون باقات زهور إلا هي، هي تعرف إن لا أحد سيحضر لها زهوراً، إلا إنها كانت أكثر انشغالاً من أن تفكر بجلب واحدة لنفسها.

يتدحرج بؤبؤها يميناً ويساراً رغماً عنها، تبحث في الزوايا وعلى خشبة المسرح وفي كلام الأساتذة عن أمل يدفع عنها الوحدة، يقشعر جلدها حين تدرك إنها تبحث عن لا أحد، إنها وحيدة ولا يحق لها حتى أن تبحث عن أحد.

ارتقى الطلاب المسرح واحداً تلو آخر لتسلم الشهادة، وإلقاء خطبة يشكرون فيها جهود الوالدين، الأخوة، وكل من ساهم بدفعهم لإكمال هذه الرحلة، ترقرقت الدموع في عينيها، أمسكت ردائها، انكمشت في مقعدها.

"نُوار"

نودي على اسمها، أخذت نفساً عميقاً، نظرت إلى أساتذتها، إلى أصدقائها ورفاق الدراسة الذين كانوا يصفقون لها ويشجعونها لتذهب، إلى الجمهور فوجدت أمها وأخويها، شعرت بالدهشة، ضحكت، لم يكن هذا أحد توقعاتها حين أرسلت لهم الدعوة لإسقاط فرض التأدب عنها.

رفعت رأسها بفخر، استلمت الشهادة، وقالت في خطابها:

"أشكر أساتذتي، رفاقي، أسرتي، ونفسي... لم أكن أعتقد إني قادرة على إنارة طريقي لنفسي، أنا فخورة لأني مضيت وحدي، وفخورة بكل من سيمضي في طريقه لوحده، الحياة طريق نمشي فيها بمفردنا لكنها ليست بالضرورة طريق وحيد، كنتُ سعيدة، كنتُ مشغولة، وكان هناك الكثير من المغامرات والدروس والأصدقاء، وهذا ما منح أيامي معنى"


حين كانت تنزل من المسرح على الجهة الأخرى، لمحت عادل مبتسماً يحمل باقة أزهار منكوش الشعر وببذلة ترابية اللون غير مهندمة، أضيء وجهها، حيته بذراعيها الممدودتين على طولهما، أسرعت نحوه بحذائها ذو الكعب العالي، تعثرت، كادت تقع، لكنها وصلت بأمان لتقف بسعادة أمامه.

"لقد أتيت؟" وهي تلهث

"وهل هذا سؤال؟"

اعتدلت في وقفتها، رفعت حاجبيها تأثراً "شكراً"

"هذه الأزهار لكِ، تفضلي"

سالت دموعها تأثراً

"على رسلكِ… زينة الوجه ستفسد، وسيظهر وجهك القبيح"

انفجرت ضاحكة، بينما تحاول تجفيف دموعها.

ناولها محرمته القماشية "علي الذهاب إلى العمل الآن، سنحتفل بك غداً رفقة أصدقائي، حسناً؟"

أومأت موافقة.

لوح لها ورحل جاذباً البوابة بخطواته المتلاحقة، لحقته، نادته بفزع، استدار وقد اتسعت حدقة عيناه، أخذت أنفاساً متقطعة.

"ماذا هناك؟ أنسيت شيئاً؟"

أشارت له بكفها ليصبر قليلاً، أخذت نفساً عميقاً

"لم نلتقط صورة، لنلتقط صور ذاتية على الأقل!"

ضحك، أخرج هاتفه وأخرجت هاتفها...

أومأت بالرفض "ليس لديك كاميرا التأثيرات"

التقاط... صورة مليئة بالدفء

-علبة ألوان-

موسيقى مصاحبة

تدخل إلى المطعم بحلة من الحرير الذهبي اللون تحيطها هالة من الأناقة، يلوح لها عادل الذي اختار هذه الطاولة ليستطيع رؤيتها عند وصولها.


جلست نُوار في المقعد المجاور لـ (عادل) في زاوية الطاولة، تبادل الأصدقاء النظرات في صمت محاولين فهم شخصيتها،

وضعت محفظتها وهاتفها على الطاولة، ثم ابتسمت قائلة "مرحباً أصدقاء عادل، أنا نُوار أخته الصغرى"

ضرب عادل جبينه بكفه الأيمن ومسح وجهه وسط ترحيب الأصدقاء المتعاطفين معه، قالت وهي تنفث الهواء كأنها كانت تدخن "إنه لا يطيقني ولا يطيق لي كلمة كما ترون" بصوت خفيض "إنه يعتقد إنني غبية، حتى إنني تفاجأت حين اقترح أن أتعرف عليكم" توجه الكلام له ممازحة "لماذا دعوتني إن كنت ستتأفأف بمجرد أن أفتح فمي؟ إنني سعيدة بتخرجي، هل عليك أن تدمر الفرحة؟"

تمتمت "ظالم"

هنأها الأصدقاء عندما ذكرت تخرجها، ثم أخذ الحديث مجرى آخر عن ذكريات الطفولة، وعن عادل القروي الغاضب والمنزعج دوماً.

ثم مع وصول الطعام جاء شاب طويل بشعر أسود داكن وبشرة مرمرية، وعينان حادتان بارزتان يرتدي قميصاً أزرقاً وبنطالاً أسود فاخران ومكويان بعناية لدرجة قد تجرحك إن حاولت تمرير أصابعك على ثنايا الزي، وفي ضوء المطعم المائل للخفوت يبدو محاطاً بهالة لامعة وكأنه خرج من القصص المصورة مباشرة.

قال أحد الأصدقاء الجالسين مُعرّفاً الوافد الجديد لـ نُوار "إنه أمجد، مهندس كيميائي، أراد أن يتسكع معنا ظهراً، فأخبرته أن يأتي على العشاء"

أسود وجه عادل حين رأى بؤبؤي نُوار استقرا في منتصف عينيها وهبط جفنيها كأنها منومة مغناطيسياً، زم شفتيه، ونظر نظرة مشتعلة لصديقه، وصنع بكفه لكمة متوعداً إياه.

نُوار والألق يتطاير من عينيها "حسناً فعلت، كلما زاد العدد زاد المرح، أليس كذلك عادل؟" لم تنتظر أن تسمع الإجابة، وأردفت"أنا نُوار، أمجد تفضل بالجلوس" أشارت للمقعد الفارغ أمامها، فلبى دعوتها فهو المقعد الوحيد المتاح.


بينما كان الأصدقاء يتحدثون، انجرف أمجد ونُوار في حديث ثنائي بدا مشوقاً، بدأ صوتهما بالخفوت بينما تسرب أحياناً شيء من ضحكاتهما الخجولة وسعيدة كتغريد العصافير، حتى إن الأعين المطفأة إن وقعت على منظرهما استنارت.

نهض دون سابق إنذار وسط تساؤل الأصدقاء، ثم عاد حاملاً زهوراً من الأصيص،

قال محدقاً في عيني نُوار "لقد أخذت موافقة الإدارة"

"وهل قلتُ شيئاً؟"

"اعطني يدك"

مدت له يدها اليسرى، جلس مركزاً، وبدأ بحياكة سوار من الزهور برشاقة حول معصمها، أضاءت وجه نُوار دهشة "هذا رائع، أحببته بحق" لمعت دموع في عينيها


"تخرج مبارك... آه! لو كنت أعلم عن تخرجك…" ثم أردف "حسناً سأفاجئك كما يجب في تخرجك من الدراسات العليا أو عند فتح مشروعك الجديد"

"أترقب المفاجأة"

قال صديق "هل تخرجان في موعد؟ تليقان ببعضكما"

ضحكت نُوار وتجهم عادل.

قال الصديق الذي قدم الدعوة "بدأت أندم على دعوتك... راعي قلوبنا الوحيدة"

قال "قدمت لي نصائح رائعة حول الأعمال، لديها الخبرة الأكاديمية والعملية... وكما تعرفون أنا من الأشخاص الانطوائيين الذين لا يفضلون الحديث بصوت مرتفع مع الجميع دفعة واحدة"

عادل "نعرف... تحاول أن تبدو ساحراً"

يسترخي على الكرسي ضاحكاً "أنا لا أحاول... هذه طبيعتي، إن كنتَ تراها ساحرة فأنا ممتن"

عادل "نُوار، عن إذنك... أريد أن أسألك عن أمر"


نهض عادل خارجاً من المطعم، فتبعته نُوار التي بالكاد لحقت خطواته السريعة.

قال عادل "ما هذا الذي يحدث؟ فسري لي"

"أعتقد إني سأتزوجه، سأتزوج بعمر صغير"

"هل تعين ما تقولين؟"

"جداً!"

"ليكن بعلمك إن الرجال لا يحبون الفتاة سهلة المنال"

"وتصفني إني سهلة المنال؟ شكراً! هذا من أدبك الرفيع" نظرت له شزراً، وعادت إلى المطعم.

"أنتِ! ليس هذا ما عنيته" وتبعها.


قال أمجد حين عادا "يبدو إنكما مقربان"

فقالت نُوار وهي تشيح وجهها عنه "لا، إطلاقاً، لكننا من نفس الجزيرة"

"قبل قليل قلتِ إنك أختي الصغرى"

"وقبل قليل لم تطق ذلك!"


جاءت أطباق التحلية، فتغيرت اتجاهات الحديث، وكما لو إن رياح عاتية هبت تمزق الحديث الجماعي وانقسم إلى أحاديث فردية حتى نهاية الجلسة.


أمام المطعم طرحت نُوار مقترحاً على صديقها الجديد "لم تأتي بسيارة؟ سأوصلك، نحن نعيش بنفس الاتجاه"

"سأكون ممتناً"

عادل "سآتي معكم"

نُوار "لديك سيارة"

"أنا متعب"

"منزلك من اتجاه آخر"

"أريد القيام بأمر بجانب بيته"

أمجد "أنت لا تعرف أين يقع بيتي"


نادت نُوار عادل لتتحدث معه على انفراد

قالت بغضب "عادل، أنا لستُ صغيرة بعد الآن، اخلع عنك ثوب الوصاية، لن أقدم على فعل يتسبب لي بالضرر... ثم إنني لن أتحمل فعل آخر من أفعالك الصبيانية الانتقائية المتعالية هذه! الناس جيدون أيضاً! لسنا أفضل من في الكون! بل إن هناك أشخاص كثر أفضل منا"


وتركته واقفاً متحجراً في مكانه ورحلت.


-قريب كظل-

كانت نُوار مستعدة للخروج لقضاء المساء مع أصدقائها، حين دق الجرس، فتحت الباب، فإذا به عادل يحمل أكياس التسوق القماشية الممتلئة بالخضار والمواد الغذائية.

رفع الأكياس قائلاً "كنتُ أود إعداد طعام العشاء لأنني آسف... يبدو إنكِ مشغولة، سأتركها هنا وأعود في وقت آخر"

ابتسمت برضا "آسف على ماذا؟"

"عكرت مزاجك في أيام سعيدة ومهمة بالنسبة لك"

"لكن هذا ما تفعله دائماً، لا بأس اعتدت"

"لأنني أحرجتك أمام أصدقائي الذين تلتقيهم للمرة الأولى"

خلعت حذائها ودخلت إلى الصالة، وأشارت له أن يتبعها "ادخل، لا تتحدث على الباب، أغلق الباب خلفك"

دخل وأغلق الباب خلفه

"أنت فعلاً شخص ناضج له حرية الإرادة، وأكثر مني ذكاءً، بالغت برغبة الوصاية"

صفقت مبتهجة "هل سينتهي العالم اليوم؟ ماذا يجري؟ هل أنت مصاب بالحمى؟"

"تجيدين إحراج الآخرين"

"إنها المرة الأولى التي أحصل فيها على اعتذار منك أيها العظيم! دعني استمتع!"

"أنا ذاهب، وداعاً"

ركضت لتقف أمامه وتمنعه من الخروج "أحب الطعام المعد منزلياً، سأتصل واعتذر عن الذهاب، ليس كل يوم تتاح لي فرصة كهذه"

"هل تتدخلين الرجال إلى منزلك بهذه السهولة دائماً؟"

"نعم، لأني سهلة المنال" ضحكت وقد ضربته بلطف على ظهره.

تجعد وجهه وأشاحه خجِلاً حين تذكر الموقف "آسف على هذه الكلمة أيضاً"

"بالمناسبة أنا لا أدخل الرجال إلى بيتي، لا تخف"

"وأنا ماذا؟"

"أوه يا إلهي! أأنت رجل؟" تخرج لسانها

يكبح نفسه وقد تحول وجهه إلى لون أحمر من الغضب "سأحافظ على حسن سلوكي"

"هل ستعد الطعام أم سأتضور من الجوع؟"

"تضوري من الجوع"



بعد عشرة دقائق كان واقفاً في المطبخ خالعاً سترته، ثانياً أكمامه، المعكرونة تغلي على النار، الدجاج في الفرن، يقطع الخضروات المبتلة، والماء البارد يجري من الصنبور بكل عنف على الفواكه، ونُوار جالسة على الأريكة ممددة ساقيها، التلفاز يعمل بصوت منخفض على برنامج ترفيهي، وهي تتصفح وسائل التواصل، ثم قالت بشكل عرضي"ما هي أطباق اليوم؟"

"حساء الفطر، المعكرونة بالخضار والدجاج، عصير الخوخ، وحلوى بالفواكه والشوكولا لا أعرف اسمها لكنها لذيذة! كم أنا رائع! هل تلاحظين مدى روعتي؟"

"لهذا أردت أن أساعدك، حتى لا أضطر لسماع كل هذا" تركت هاتفها جانباً "لكن دعني أعترف... بكل أمانة هذا رائع... قليلاً"

"لدي وظيفة جيدة وشقة لائقة وأنا وسيم وأجيد الطبخ، ألا تعتقدين إني زوج مثالي؟"

صفقت في سعادة "صحيح! كيف غاب عني هذا؟ انظر لضيق فكري!" وضعت وجهها في كفيها ثم رفعته "لدي الكثير من الصديقات الجميلات، سأعرفك على فتاة تليق بك، لا بد إنك كنت محبط مني طوال الوقت"

رمى السكين غاضباً، ثم قال حانقاً "استميحك عذراً، لكنك حقاً غبية!"

تطرف عينيها سريعاً "نعم، وأنا اعترفت، وسأصحح خطأي"

"يا امرأة أنا لا أريد امرأة أخرى عداكِ... أريدكِ أنتِ، أحبكِ أنتِ"

"أحقاً؟ لماذا لم تقل؟ ألم تكن تكرهني؟"

"ألم تعلمي؟ أتمزحين؟"

جحظت عينيها "مستحيل… هل أبدو مازحة؟"

نظرت يميناً ويساراً، فكرت لثواني "لحظة"

حملت حقيبتها وهاتفها، ثم قالت "انهي ما تود أن تقوم به واخرج... أنا ذاهبة للسير"

"ماذا حل بكِ؟"

هلعة "أصبحت رجل!... من سأستشير الآن؟"

مبتسم بهدوء "خذي نفساً عميقاً، واذهبي للسير، عندما تعودين لن أكون موجوداً"

أخذت نفساً عميقاً، عادت لتعانقه، ربت على كتفها، همست بحنو بالغ "شكراً"، فابتسم بعطف، ثم غادرت.



تــمـــت


اقرأ أيضاً قصيدة مدارية


٨:١٨ م

٢١/٩/٢٠٢١ الثلاثاء

سمانا السامرائي

التحرير الأول

3:22 م

30/9/2021 الخميس

التحرير الثاني

8:34 م

13/10/2021 الأربعاء





تعليقات

  1. أسماء الأهدل11/06/2021 11:45 ص

    نوار شخصية تخفي أكثر مما تظهر
    تحمل في قلبها حزن دفين تخرجه على محمل الهزل في كل مرة!
    لو جلستُ معها لما أخذت منها الا ما أرادت أن تخبرني به، شديدة الفطنة هي!
    وتعاملاتها الكثيرة مع مختلف الزوار في الفندق منذ نعومتها جعلت مهارات اتصالها بالغة تسبق عمرها..
    أحببت نوار كثير، وأود لو أن أعرف أكثر كيف قضت فصل من حياتها خارج الجزيرة حتى ربّت هذه الفتاة الاخاذة!
    كيف ساندت نفسها بنفسها ولكن ليس بالضرورة وحيدة!
    أشجع على القصيدة الثالثة✨
    رائعة يا سمانا ولا جديد في أنكِ تصيبين حسن ظني بلال هوادة.

    ردحذف
    الردود
    1. إن الإنسان ليشعر بأنه هانئ حين يكون لديه صديق حساس وفطن يستشف من النص أبعاد عميقة ويربط بينها، ويحيطه بحسن الظن، ويدعمه دائماً.
      سعيدة لأن نوار وصلت إلى قلبك وفكرك، خصوصاً إن قصيدة مدنية شكلت تحدي حقيقي بالنسبة لي.

      حذف
  2. غير معرف2/04/2022 5:05 ص

    كنت يوما ما عادل وكانت كل بنات جامعتي نوار لكن كانت هناك نوارتين الأولى تشبه كثيرا نوار لكن انا من كان عليه ان ينتبه لها ويعرف انها تحبه زكنت اسميها اختي الصغرى لذا تجديني قد عشت هذه الدقائق لأتذكر سنتين من حياتي ونوار تضيئها..
    اغرب موقف عندما حاولت الاستعانة بها لأتقرب من بنت احببتها مسبقا وفي منتصف العام الثاني صارحتها بحبي يوم الثلاثاء وما إن قلت لها اني احبك حتى ردت وانا احبك ايضا.. فلم تكن تعرف ان قانون النساء يمنع الاعتراف بالحب للرجال. كان هذا يوم الثلاثاء تشرين الثاني ٢٠٠٢ لتقوم يوم الأربعاء اول يوم لي كحبيب وتخبرني إن علينا ان نفترق وننسى ماكان بيننا بالأمس.
    تركتها ساعة وقلبت الجامعة بحثا عن نوار لأن قلبي صرح لي وعندما يصرح قلبي اقوم بأغلاق كل حواسي ولا أستمع الا له. قال لي كل هذا من فعل نوار لانها احست بخسارتك وانك ستتركها.....
    اليوم تذكرت كل الاحداث التي كانت معيمن قبل عشرون سنة
    عاش قلمك

    ردحذف
    الردود
    1. كم هو مبارك ذلك الكاتب الذي يخبره قارئي قصصه إنها ذكرتهم بأحداث حياتهم!
      وأنا الآن مباركة بسببك أيها الصديق.
      عسى أن تزور هذه الذكرى بدون ألم ومع كثير من الامتنان بين حين وآخر لتأنس بها وتلطف بها أيامك.

      حذف

إرسال تعليق