التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الخوف في داخل عقولنا

 الخوف في داخل عقولنا 






ركبت الأفعوانية للمرة الأولى والوحيدة في سن كبيرة، كنتُ لا أجرؤ المرور بجانبها، لا أحتمل رؤيتها عبر الشاشة، المرتفعات تفزعني، والسرعة ليست إحدى أصدقائي المفضلين، ويا للعجب! لم أشعر بأي شيء عندما ركبتها عدا صداع بسيط بعد النزول والسير على الأرض، ضحكت من قلبي، كنتُ أظن إنها مرعبة أكثر من ذلك بكثير، الجميع كان خائفاً من أجلي، بل إن عمتي بكت ظانة إنني أنا من يصرخ في العربة، لكنني لم أصدر حتى صوتاً، كان وقتاً رائعاً لملاحظة أفكاري، أخبرت عقلي إن هذه التجربة، وهي للمتعة، ولن نقع لأننا مثبتين بإحكام، ونحن من اخترنا هذه التجربة أي إن لا خطر محدق بنا، كان عقلي يتصرف وفق هذه المعلومات بسيطرة كلية وانضباط وحكمة مدهشة، كانت لحظات تعرفت فيها على قوة العقل، عقلي أنا، عقلي الذي أعده خوافاً.

هل كنتَ تخشى في طفولتك عبور الشارع للجهة المقابلة؟ هل ما زلت تخشى ذلك؟ على الأرجح لا، لأنك عبرت آلاف الشوارع، وعلمت إن ربنا هو الحافظ، وأنت ستصل إلى الجهة المقابلة بسلام برحمته كل مرة، أنت الآن حذر من عبور الشارع لكنك لست بخائف، توقعاتك عن عبور الشارع ما عادت تبدو صحيحة، لماذا؟ لأنك جربت وأخفقت، جربت ونجحت، وتراكمت لديك الخبرة، وأصبح هناك معلومة جديدة في عقلك مبني على تجربة واقعية. 

العقل يحتوي على نوع من البرمجة التي تحاول حمايتك من الأخطار وهي برمجة مهمة لبقائك، إلا إن مشكلتها إنها تصور لك إن كل مجهول من الممكن أن يؤذيك، كل مجهول ضخم ومهول ومرعب، والمرء عدو ما يجهل، يكرهه، يتجنبه، يستثقله، يستحقره، يتهمه، وهكذا يمضي كثر بتجنب الكثير من الأشياء لأنهم لا يعرفونها، مثل قرارات تدعم مسيرتهم العملية أو العلمية، رحلات لاستكشاف بلدان جديدة، تجارب فريدة، وحتى الأطعمة يختارون ما هو معروف فقط. 

ودعنا لا ننسى إننا نرث الكثير من المخاوف من أسرنا أيضاً، لذا حلقة تجاربنا ضيقة وستكون أضيق إن لم نحاول إن نرمي أنفسنا ونحن في شدة الخوف في كل ما نخاف منه، والذي غالباً لن يكون أمراً يستحق الخوف. 

لا بأس يمكننا أن نبكي، ونرتجف، ونعلن إننا خائفين وجاهلين، الطريق مظلم وغير واضح، لكن المهم أن نكمل حتى النهاية. 

 وأنت أيها القارئ العزيز مغامر بطبعك تقبل على كل ما سيكون فيه فائدة لك، مثلاً ستذهب لتلقي اللقاح وإن كنتَ متردداً بعض الشيء بسبب الشائعات، لأنك تعلم إن هذا الخوف في داخل عقلك فقط. 



٨:٠٦م

٢٠٢١/٣/٢٨

سمانا السامرائي 



 

تعليقات