التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوحدة الجديدة

الوحدة الجديدة


عندما تريد الكتابة عن تجربة شخصية، يغالبك شعور يخبرك إن على أفكارك البقاء في زاوية من زوايا دفتر المذكرات، غير أنك تقاتل هذا الكيان البارد الذي يدعى خصوصية، لكي تصل إلى الآخرين الذين يشبهونك.

يخفى علينا في بداية طرق التعلم والتطور إننا سنترك الكثير خلفنا، الكثير من العادات والأوقات والناس، لا نجد بأساً في ترك أوقات الراحة، والنوم، واللعب، لأن التعلم والعمل ينعش أرواحنا أكثر، ويهنأ العيش بهما ويطيب، ونستبشر بترك العادات القديمة واكتساب أنماط تفكير عالية ومفردات مبهرة، غير إن ترك الناس خلفنا هو الأصعب.

سنتركهم، وسيتركونا... الأصدقاء الذين أحببنا وعرفنا وقضينا معهم أوقاتاً طيبة، الأصدقاء الذين دعمناهم لأشهر وسنوات ودعمونا، ننظر حولنا فلا نجدهم، ليس لرغبتهم في تركنا أو رغبتنا في تركهم، لكن الأحاديث المشتركة تقل أو تنعدم حتى نشعر وكأننا غرباء

بينما يعيش الآخرون حياة يفهمون بها بعضهم البعض، أنت تعيش حياة مختلفة، حياة ذات قيم وأسس مختلفة، أنت لا تنظر إلى زاويتهم، وهم لا يمكنهم النظر من زاويتك، مشاكلك لك وحدك، لا أحد يفهمها، وقلقك يبدو سخيفاً فلا تستطيع البوح به، من سيفهم قلقك حول تسويق خدمتك الجديدة؟ أو بحثك عن موردين لمنتجك أو جهات لرعاية حدثك القادم؟ من سيفهم متغيرات السوق وتعطشه لما هو جديد؟ من سيفهم رغبتك الجامحة في تطوير نفسكِ وتعلم ما هو جديد، والتعرف على مجتمعات جديدة؟

وإن حدثَ وكنتَ امرأة للأسف، فستعاني الأمرين، لأن هناك قالب من المهام والواجبات تقع على عاتق المرأة، وعندما لا تلقي لها بالاً لا تعود المجتمعات النسوية تتقبلك، ولا حتى الرجالية، أنت لا تنتمي إلى أحد، مجرد كائن حي، كلامك مجنون عن مهارات عجيبة، ووقتك ضائع في اللعب على الحاسوب، لماذا تفعل كل هذا بينما بإمكانك التزين وهدر الوقت أثناء مشاهدة بعض الأفلام أو إعداد وجبات الطعام؟

اخترتُ أن أكون امرأة ريادية، وكاتبة، وموظفة في مؤسسة، حياتي مُكرسة للعمل، وهو ما استمتع به، أجد لذة لا مثيل لها عندما أتغلب على نفسي وأعمل لساعات طوال أو أتعلم شيئاً جديداً، أتخفف، أتحرر، ولا يعود للمعاناة وجود، أظن الذي وصف الحب بالجنة لم يجرب العمل بأساليبنا الحديثة الفذة، ولم يختبر الفن بأنواعه الشتى، وخصائصه الفريدة، لم يثابر من أجل شيء وقد اندمج العقل والوجدان معاً.

طريقي هو طريق وعر... مرصع بالنجوم؟ نعم، لكنه وعر، طريق أحفره بنفسي،ولستُ بماهرة في استخدام يدي، لذا أتعثر كثيراً وأتعلم أكثر، أشعر إنني أتعلم بسرعة، بعض الأمور التي يتعلمها الناس بعد مضي سنوات أو قد لا يتعلمونها أصلاً، كان ذلك مسلياً وما زال، لكن التحدي الجديد الذي أمر به، كيف أصبح أكثر صمتاً وأعتاد على الوحدة الجديدة، وحدة هي ليست بوحدة، وحدة لا يمكنني إشراك المقربين فيها، إنها طريقة جديدة للصداقة والمحبة، وحدة أكون فيها وسط الناس كُثر أحبهم ويحبونني، ولا أستطيع إجراء حديث معهم، فكلما حاولتُ وُصفت بالمتوترة التي تجهد نفسها، والأمر إن بذل الجهد والتعامل مع الضغوط أقرب لبناء العضلات، بعد تمارين دائمة، تصبح أكثر انضباطاً ، وقدرة على التعامل مع كل أنواع الضغوط، ستجد طرقاً مختلفة لصنع السعادة، وطرقاً أكثر اختلافاً للراحة، وطرقاً لا تشعر بها بوحدة إطلاقاً ولو كنتَ مع نفسك لأشهر بل سنوات، لديكَ دائماً بيئات جديدة لاكتشافها، وتحديات أخرى لخوضها، وأصدقاء جدد للتعرف عليهم، أنت تفكر في الصالح العام والنجاحات الكبيرة، بينما يبحث الأغلب عما يصب في صالحهم الشخصي فقط والنجاح المتوسط، أنت تجري برشاقة لأيام دون كلل بينما تتنفس بفاعلية دون لهاث، أنت تتغير بما هو أسرع من أن يتقبله الآخر، وفي أحيان قليلة كتلك الأحيان التي أكتب بها تدوينتي ستشعر ببعض الحيرة وتتساءل هل أنتَ طبيعي؟ عندها فلتقرأ هذه التدوينة، نعم، يا سيدي/تي أنتَِ طبيعي/ة، كل ما في الأمر أنك بحاجة لبعض المعارف الجدد الذين يشبهونك، ليس هناك حاجة لأن تكون الحقيبة التي تحمل كل شيء، لأنكَ قد تحمل أكثر من اللازم، كل تلك الأحمال الخارجية التي تثقلك ولا تلزمك، لديكَ أحمالك الخاصة الكثيرة التي لا تستطيع مشاركتها مع أحد، وكل تلك الأحمال مجموعة ستُمزق الحقيبة.



هي ليست دعوة لنبذ الصداقات، فهي أثمن ما يُهدى للمرء،وعلى الأرجح لولاها ما وصلتَ لما أنتَ عليه اليوم، لكن في خضم رعايتك للآخرين لا تنس نفسك، فلها حق عليك، ولا تجعل أحد يشعركَ بأنكَ آلي فولاذي أو وحش شرس، أنت رقيق بقدرهم وأكثر، ودافئ حساس أيضاً، لكن لعالمكِ رموز خاصة، والتي ما زالت عسيرة على الفهم بالنسبة لأغلب الناس خارج دائرة اهتماماتك.











سمانا السامرائي

7:53م

20/6/2020 السبت


تعليقات