التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين حب الذات وتقديرها… أرجوحة مُهلكة


بين حب الذات وتقديرها… أرجوحة مُهلكة






هل أحب نفسي أم أقدّرها؟ وهل يوجد اختلاف بين المفهومين؟ لماذا يتنامى الزخم العالمي حول هذين المفهومين؟ وهل يجب أن نشعر بالضغط لأننا لا نحقق معايير حب الذات وتقديرها؟
التقدير قائم على عوامل عقلية، بينما الحب قائم على عوامل شعورية وإن كان له مسببات عقلية تماماً. الحب ينطوي على معاني الراحة، أنا أحب ذاتي أي أنا مرتاحة فيها، أنا أقدر ذاتي أنا أجدها رائعة لكن قد لا أكون مرتاحة معها تماماً، تبدو لي كشخصٍ آخر بعيد عني، فيلزم لتقدير الذات أنا أحكم عليها بموضوعية.

لذا عليّ أن أخرج مني وأنظر لها كما ينظر الآخرون لها… نظرة غريب لغريب.

لذلك كأي شخص آخر قد لا أحب ذاتي بل أقدرها فقط.  ما أن نحب شيئاً أو شخصاً حتى يتحول إلى شيءٍ يخصنا، جزء منا، فنقول قلمي، كتابي، صديقي، أسرتي. وهذا يتعارض مع مفهوم التقدير بشكلٍ مباشر. هما ليسا جزءاً من بعض لكن يمكن أن يتحققا معاً مع مقدار من الوعي وكثير من التدريب لنرانا أحياناً من الداخل كنحن العائدون إلى ديار أنفسنا، وأحياناً من الخارج كنحن الغرباء بكل ما مروا به من ظروف، وحققوه، بكل دمعة وابتسامة، بكل جهد بُذِل للوصول إلى هدف ما كَبُر ذاك الهدف أم صَغُر.

إن كان التقدير للذات هو نتاج تثمين واحترام نجاحاتها وصمودها وقدرتها على تجاوز الأزمات وتصحيح الأخطاء بنجاح، فحب الذات هو شعور إيجابي تجاه الذات سواء نجحت في تجاوز الأزمة وتصحيح الخطأ أم بقيت تراوح في نفس البقعة.

وحب الذات وتقديرها مفاهيم جديدة نسبياً عالمياً، وقد عرفت الثقافة العربية متأثرة بالديانات السماوية عموماً والديانة الإسلامية خصوصاً مفهوم إكرام النفس وحسن رعايتها ووجوب تخصيص الوقت للعناية بها وصيانتها من كل ما يحطّ من شأنها أو يغير فطرتها السليمة أو يعبث أو يعرقل نموها الروحي.

ذلك أن النفس أمانة يتركها الخالق لدى مخلوقيه لفترة محدودة ثم تعود لتسبح في رحابه الفسيحة، أما الذات فهي غير موجودة وفق الفلسفة الإسلامية بل هي دعوة لعزل المخلوق عن خالقه باعتباره كيان منفصل قائم بذاته.

لنسلّم جدلاً إن الذات قابلة للتحقيق عن طريق فعلٍ ما، فعبارة “أريد تحقيق ذاتي” هي عبارة رنانة تنتشر في الفكر المعاصر، ولنقل إن الدراسة في عمر معين هي التحقيق المرجو للذات، لكن بعد استلام الشهادة ستكون الوظيفة هي ما تحقق الذات، وبعد ذلك قد يكون تكوين العائلة هو أحد سبل تحقيق الذات وهكذا، وقد يتغير ما يحقق الذات لظروفٍ استثنائية أو لتغير قواعد العصر مثل اختفاء وظائف معينة بشكلٍ كلي مع التطور التقني مثلاً! أما لو قصدنا بالذات البدن، فخلايا البدن دائمة التجدد والتبدل.

إذن ما هي الذات؟ ومن ماذا تتشكل؟ وما الذي يؤثر عليها؟

لعل مفهوم الذات هنا يأخذنا بشكلٍ مباشر إلى هوى النفس الذي أشير إليه بآياتٍ كريمة بالمعنى السلبي غالباً مثل {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} و{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} ووردت بمعنى إيجابي مثل {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ}.

وبالرغم من عدم وضوح تعريف الذات وتخبطه، فبالإمكان تقبل حب الذات لأننا نحب الذات ليس لأنها ذات –فالذات دائمة التغير سواء على المستوى الفكري أو المادي- نحن نحب تكوين هذه الذات، حقيقة وجودها هو عبارة عن نعمة إلهية، معجزة فريدة، وصفة من الأقدار والخيارات. لذلك هو حب لهذه الوصفة وكل اللحظات والناس والنعم والذكريات والتجارب إللي تفاعلت مع الذات للوصول إلى الذات في هذه اللحظة وبشكلها الحالي.

التعريف الأول للذات

يجعلها جالبة الخير لنفسها قادرة كلياً على استحصال المنفعة وتجنب الشرور فيكون تقدير الذات نتيجة لما قامت به وهو مرض خطير مدمر وسبباً للقلق والتوتر والاكتئاب لأننا نعطي لأنفسنا صلاحيات أكثر مما يجب ونتوقع منها أكثر مما يمكننا تقديمه فعلاً، ثم نبدأ بتبني نزعات فردية انتهازية وتصبح المقارنة مع الآخرين والتنافس ديدننا فلا يحق لنا تقدير ذواتنا لأننا مقارنة بالآخرين لم نفعل ذلك الشيء الكثير، وهو رفض صريح لوجود الرب المقدر والمدبر المعطي والمانع حيث تصبح الموارد والفرص محدودة والخير لا يستحصل إلا بمنطقية بشرية ضيقة الأفق .

التعريف الثاني للذات: 

فهو تكريم الذات ورعاية خصائلها ورفع شأنها وحمايتها من الانحدار بكل أشكاله، ليكون تقدير الذات سبباً لتطويرها وليس نتيجة لتطورها، وبهذا التعريف يتشارك مع المفهوم الإسلامي عن إكرام النفس السابق الذكر.

لذا من الضروري فحص المفاهيم قبل تبنيها، بالإضافة إلى عدم حبس أنفسنا داخل أي مفهوم لكون المفاهيم قابلة للتشكل والتغير والتبدد، كما يتعين علينا عدم فصل النفس عن خالقها، فكما إن الفرع يذبل عندما يُفصل عن الشجرة الأصل فالروح تقع في متاهات الظلمة وتقحل ساحاتها حين تتجول بعيداً معينها ومعزها، فهو البارئ مالك الملك، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

تعليقات