التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيتر بان صديقي


بيتر بان صديقي





* هذه التدوينة هي عن نقاش كتاب الأسبوع في مجتمع #معاً في يوم سابق لنشرها، ولم أقم بالتعديل عليها كالبالغين إذ إن ذلك معيب في حضرة بيتر بان الفتى المغامر… أسمع ضحكته الآن وأنا أمتدحه… لكن تجدر الإشارة إن بعض التغيرات أجريت ليكون النص مفهوماً أكثر، ولأنني لم أقل كل ما في جعبتني في المحادثة، إذ إنني نادراً ما يكون في جعبتي القليل من الكلام حين أكتب، والأكثر ندرة أن تخطر لي دفعة واحدة.

قرأتُ بيتر بان مع موسيقى، وعلى جلستين فقط، قرأت ٥٠ صفحة ثم بقية الكتاب في غضون ٤ ساعات أو ٤ ساعات ونصف لستُ واثقة، أي بما مجموعه يقارب 5 ساعات ونصف وهذه معلومة غير مهمة لا تثبت سوى إنني أتفاخر بسرعتي في القراءة أو بطئي بها أو إن الكتاب ممتع أو إنني تجاهلت مسؤولياتي.
الكتاب مكتوب بلا أصوات، فكانت الموسيقى ضرورية… أو إنني أصبحتُ بالغة منذ زمن بعيد وما عاد سمعي مرهفاً كما كان في السابق، ولم أعد أؤمن بما يكفي بـ( نيفرلاند) والجنيات اللواتي يصدرن صوتاً كقرع الأجراس.
كان بيتر بان مصدر البهجة، شعرتُ في طفولتي إنه خيال سعيد أزره دائماً، لم أعلم إنه بحاجة إلى الاهتمام.
لقد بكيتُ بحرقة أكثر مما تصورت إنني سأبكي، بيتر بان كان رائعاً وطفلاً للأبد.
(عادة لا أبكي بسهولة في العالم الواقعي، لكن عندما تقرأ الأدب فإن ما يُبكي واضح وغير معقد، ويمكننا أن نبكي، لذا أسمح لنفسي بذلك، مثلما أسمح لنفسي بالضحك)

المقدمة كتبت بسلاسة ساحرة ثم أخذ أسلوب الكتابة بالتغير، وأعلم سبب هذا، فإن صنع عالم آخر وشخصيات لها قوانينها ينهك الكاتب فلا يعود يركز على أسلوب الكتابة، وأتمنى أن يعيد أحدهم كتابتها، إذن العالم جاهز وما بعد ذلك ما هو إلا تقنيات يمارسها المحترف بمهارة، ولعل الكاتب أراد أن يكتب كما لو كان بيتر بان يكتب، ولو كان ذلك مقصده، فقد نجح، إنها رواية مكتوبة بعذوبة الناشئة واتساع مخيلتهم.
الفيلم والألعاب وقصص الأطفال هي ما انطبع في ذهني عن بيتر بان، بداية تعجبت من الأسرة، ثم أدركت في النهاية إن بداية الفيلم هي من نهاية الحكاية الأصلية.
القصة ليست للأطفال، وليست للناشئة، القصة مليئة بالرموز، وتتحدث عن مآس واقعية، وقد قصد الكاتب بوضوح بعبارات متنوعة تلاحظها أثناء القراءة.

كلنا نريد أن نبقى صغاراً عابثين للأبد بطريقة ما، لكننا ننسى إننا كنا صغاراً، ننسى كيف يتصرف الصغار، ونصبح كباراً بغيضين.

في الرواية لمحة لطيفة بألا ننسى ما هو سحري وبعيد، لأنه بحاجة لنا مثلما نحن بحاجة إليه، هو وحيد بقدر وحدتنا حينما نبحث عنه.

كتبت لتتحدث عن الحروب في عالم موازٍ فصنعت بيتر بان، الفتى الذي قد لا يبدو لائقاً ومهندماً ومتعلماً مثل القرصان، لكنه يحنو على الجميع، ويهتم بهم، ويجري أحاديث ممتعة حتى مع أولئك المنعزلين الذين لا يتحدثون مع الآخرين، وينسى الظلم والفواجع بسهولة، ويبقى ضاحكاً ويُضحك الآخرين، ولا ينسى العدل في نزالاته، فهو يمهل خصومه لحمل سلاحهم، ولا يلجأ إلى الحيلة في القتال، ولا يهرب حين الخطر.


كانت الرواية كدعوة للعناق.
ومن الغريب إنها لم تكن عن بيتر بان بل عن حب الأم، وعن أهمية وجودها في حياة الأطفال أو عدم أهمية ذلك... مع الاتفاق على إنها بالحالتين تترك أثراً قد يكون حسناً أو قد يكون مؤلماً يحدث صدعاً لا ردم له... كانت أيضاً عن الأطفال الذين يموتون في الحروب، وجراء المرض، عن وحدة أرواحهم وتعاستها، وعن آلام الوالدين الذي يودعون أولئك الصغار.
وكانت أيضاً عن رغبتنا في الانزواء في ركننا الطفولي المهجور، ليست سعيدة، وليست كئيبة، إنها حقيقية للغاية، ولهذا هي مؤلمة... وكل ذلك بطريقة شفافة ساحرة.

"لماذا نهاب الأخطار؟" سألت وفاء العتيبي أحد أفراد مجتمع #معاً
نهاب الأخطار لأننا نعتقد إننا أكثر ذكاء منها... الأحمق فقط من يرمي نفسه فيها، لأننا نخاف الموت والفناء بطريقة لا شعورية، ولدينا آلاف التبريرات لذلك.

"نهايتنا الموت، وليس المقصد المخاطر العشوائية الغير المقصودة
بل مخاطر مواجهة واقع، تحرر، تقدم" أجابت.
المخاطرات لو كانت غير عشوائية ومحسوبة، لن تصبح مخاطرة، المخاطرة مجهولة من كل جانب من جوانبها.


"الزواج مخاطرة، الطلاق مخاطرة، المشروع الجديد مخاطرة، اختيار التخصص مخاطرة، السفر مخاطرة، شراء منزل مخاطر" أضافت.
كلها تعود علينا بالنفع، نحن لا نخاطر هنا لأننا لا نخشى المخاطرة... بل لأننا نبحث عن النفع.
وفي هذه الرواية، يخاطر بيتر بان لأن المخاطرة تجذبه وتسعده، يفعل كل شيء وأي شيء، العبثية هي ما منعته عن التفكير، والمنافسة، والرغبة للامتلاك، والتقدم… كان نوعاً جيداً من العبث الطفولي النقي.
الرغبة في التقدم هي نوع حميد من الجشع، لكنها جشع في النهاية، ونوع من التفكير المحتدم الذي يسلبنا بهجتنا الطفولية، ويملأ العقل بأفكار كثيرة عنا وعن الآخرين وعن الحياة وعن ما يجب، هي قيود تثقلنا أحياناً، وتغير مصادر ونوع البهجة أحياناً، وتجعلنا حيوانات مدجنة لأنظمة العالم الذي نعيش به.

بيتر بان وأصدقاءه بريون، بريون جداً، بيتر بان بري ويرفض أن يكون غير ذلك.


العابثون لا يصبحون قادة ناجحون غالباً، ولا ينتظمون في أسر طيبة دافئة، يخلقون عالماً خاصاً ساحراً، ينتصرون، ويصبحون أدباء، حكاؤون، قصصاون، شعراء، موسيقيون، راقصون، ورسامون، وفنانون أسطوريون يلونون العالم ويمنحونه الزهو، يصبحون محاربين أشاوس، قادة عسكريون، طيارين حاذقين، بحارة يجبون العالم، مبتكرون مجنونين، أي شيء عدا التعامل مع الناس والاستماع إلى رأيهم، أي شيء عدا أن يطيعوا، يمكن أن يصحبهم أناس مطيعون، ليس لأنهم يحبون السلطة والسيطرة، بل لأنهم لا يريدون أن ينصاعوا لفكر أو أهواء شخص آخر، أنهم يعيشون في عالمهم الخاص وبين أفكارهم ولديهم أهدافهم العجيبة، لا يحبون أن يُشتَت انتباههم أو يحيد تركيزهم عن تلك الأفكار أو يستخف أحد بأهدافهم، لا يسعهم تحمل التنازل عنها أو مقايضتها بأخرى، إنها صحيحة لهم وتشعرهم بنبض الحياة في تجاويف صدورهم، لأنهم هم ذلك العالم والعالم هم، كما إنهم يتمتعون بحساسية عالية، ورِقة لا يعلمون عنها ولهذا تزداد صعوبة تعايشهم مع الآخرين، لديهم مواهب فطرية عظيمة تملأ وجودهم وتجعلهم يبحثون عن المغامرة لا عن التفوق والمنافسة لذا يتمتعون بتهذيب وخلق فطري. وهذا ما لا يعلمون عنه ولا يسعون إليه.
وإن أخطأ القدر معهم قد يصبحون قراصنة، أو تماسيح، أو أعاصير سوداء.

"كنت سأجعل النهاية أن يعود بيتر إلى بيت وندي، ويدخل من النافذة، ويخبرها أنه يريد البقاء هنا، مع عائلة حقيقية" قالت زهراء.

لماذا عليه أن يبقى مع عائلة حقيقية؟
ربما للسعادة أشكال عديدة، وهو اختار ما يناسبه فحسب.
ربما هو عليه أن يكون أسعد من بقية الأطفال، طفلاً شقياً حراً، ليسعد جميع أطفال العالم حين يخلدون للنوم ويكبرون بسعادة.
ربما علينا أن نؤمن بالتنوع، وتنوع السعادات، وتنوع الخيارات أكثر مثلما آمن بذلك بيتر بان، وأطلق سراح وندي والفتية التائهين، ربما يجب إن علينا التخلي عن بعض الأمور من أجل الأمور الأهم. ربما هذا ما أرادنا بيتر بان أن نعرفه… أرادنا أن نعرف ما هو الأهم بالنسبة لنا.

اختار بيتر بان أن يسعد الأشياء الجميلة ويخدمها، وأن يكون بدوره شيئاً جميلاً ويترك ذلك الأثر السحري، ونحن -وربما أعني بذلك أنا فقط- ندين له بذلك.

تنبيه: إن قرأت وصف شخصية بيتر بان وظننت إنكَ أحد فتيته التائهين أو إنكَ أنت بيتر بان وتنتمي إلى (نيفر لاند) للأبد، فرجاءً لا تظن ذلك لأن بيتر بان لا يعلم شيئاً عن نفسه وهذا ما يجعله مميزاً، يمكنكَ أن تذهب إلى الجزيرة للتسلية حين تكون في أشد الحاجة إليها، أو تذهب لتساعد بيتر بان في تنظيف الربيع.


5:25ص
2020/5/11 الإثنين
سمانا السامرائي


مجموعة من الاقتباسات من الكتاب نفسه↓↓

















تعليقات