التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لماذا نحب المذياع العتيق أكثر من أنغامي؟



لماذا نحب المذياع العتيق أكثر من أنغامي؟

موسيقى مصاحبة




لماذا نحب الماضي ونحّن له؟ ولا نحّن للمستقبل؟
طرحت إحدى أفراد مجتمع #معاً (التابع لجزيرة نــقــش) هذا السؤال في إحدى أمسيات المجتمع التي قدمتها، ما أدهشني هو إنني كنت أشاهد للتو مقطعاً في يوتيوب عن إعادة تشكيل ثوب الطاووس التأريخي، كان هذا مدهشاً لذا قطعتُ وعداً أن أجيب بتدوينة على تساؤلاتها وها نحن هنا الآن بحماس عالي المقدار وفوراً بعد تلك المحادثة.
بداية ذهبت للبحث عن تعريف كلمة" حنين"، فهي مفتاحنا لفهم هذه التساؤلات، وهكذا يمكننا الثقة إن التدوينة ليست مجرد كلام منمق، كذلك ليس من عادتي التحدث عن شيء دون البحث عنه ولو قليلاً،
فكانت النتائج!
"أجمل ما قيل في الحنين" "كلام في الحنين" "اقتباسات عن الحنين" بالطبع ليس هذا ما أبحث عنه، ثم طفقت أبحث في معجم المعاني/ فعُرِّف الحنين على إنه الشوق، لذا بحثت أكثر عن معنى "شوق"، فوجدته نزوع النفس إلى الشيء أو تعلقها به، لكن هذا بعيد بعض الشيء عن الحنين، لم يكن هذا شافياً لذا بمزيد من البحث عثرتُ على تعريف أكثر ملائمة (أعلم إن العم غوغل ليس مُحرك البحث الأفضل فيما يتعلق بالنتائج العلمية لكنه الأكثر سرعة في ظل الإقبال الكثيف على الشبكة خلال الإقامة الإجبارية في المنازل في زمن كورونا)


الحنين: شوق وتوق وصبوة، اشتياق حزين، أسف ممزوج بكآبة على ما مضى،
على الابتعاد عمّا عرفناه وأحببناه.


إذن النقطة هي الأسف، أسف محب على شيء بعيد لا يستطيع الوصول إليه، توقه لعيشه ثانية والمرور بأثره، وهنا يختلف عن الشوق، الشوق يحمل في طياته أملاً باللقاء، ونطاقه ضيق إذ إنه يشمل ما هو مادي وملموس، لكن الحنين يتسع ليشمل المشاعر والأفكار والمعتقدات والمفاهيم.


بعضنا ينتابه الحنين لأيام لم يعشها، أناس لم يرهم، أماكن لم تعد موجودة على الخريطة؟ لماذا؟


كلما كان الشيء بعيداً كلما زادت جاذبيته، والأمر ذاته ينطبق على القرون الماضية، لكن هذا ليس السبب الوحيد، كلنا نعلم الفظائع المرتكبة في تلك الحقب، وكم كان العيش صعباً… لكن هناك ربما أسرار أخرى للجاذبية والسحر.
  • إنها لم تعد موجودة! لم يعد بإمكاننا التحقق من صدق الروايات التأريخية من زيفها، كل ما لدينا أعمال أدبية، نصوص كُتبت بيد من لهم السلطة والنفوذ، وأعمال حديثة كتبها مُعاصرون عن حُقب قديمة لجعلها الروايات الأكثر مبيعاً أو الأفلام الأكثر مشاهدة.
  • امتازت الأيام الماضية بأشخاص ماهرين يصنعون مجد هذه الأمم، وعقول مفكرة تنير دروبها، كان العالم يتسلى بالفن والموسيقى والأدب والعلم ويتنافس في هذه الميادين، كما نتسلى ونتنافس الآن في عدد المتابعين في إنستغرام ويوتيوب وتيك توك، كان هناك معايير عليا ومسؤوليات كبرى نفر منها الناس ليصنعوا عالماً أكثر بساطة وحرية، عالم نعيشه الآن.
  • كان التقدم بطيئاً ذو مقدمات، تدريجياً بُني عبر السنوات، ومؤثراً بشكل ملحوظ مما جعل المجتمعات تتقبل هذه التغيرات وتتفاعل معها بكياسة وحُسن.
  • القيم الأخلاقية الرفيعة والقوانين العُرفية وآداب السلوك والأسس الدينية والروحية التي حكمت تلك المجتمعات مقابل ضياع كل القيم الآن وتدميرها، الفظائع الآن ما زالت ترتكب وبشكل أكثر شناعة، وكل القيم التي لدينا مفككة وكيكة ومتحللة حتى التي تدعي أخلاقيتها وأنسانيتها.
  • عبرت الأجيال السابقة عن الجمال والبراعة والذكاء في فنونهم وآدابهم، بينما تعبر أجيالنا عن القبح والصراعات والعته مع الأخذ بعين الاعتبار إن لكل عصر فتراته المظلمة وجراحه التي لم تشفى… واسوا أنفسهم بالجمال حتى أحالوا الحزن قصائد عذبة، وصرعنا أنفسنا بالكآبة وتشدقنا بفخر بالبؤس والمرض والأزمات.
  • العالم الماضي رسم بخيال جميع البشر... الجميع أراد نور في العتمة، وسائل نقل مريحة، أدوات تسهل عملية الطبخ، أدوات تزيد الرفاهية، طرق تجعل من كسب الأموال عملية سهلة وأنيقة وإنفاق هذه الأموال أقل، حصل ذلك في عالمنا الحاضر إلا إنه أيضاً يُرسم بيد الرأسماليين الذين يريدون جعلنا نعتقد إننا نريد ما صمموه وصنعوه ليزدادوا ثراءً.
  • كان العالم الماضي مثالياً في جوانب عديدة، ونحن كبشر بطبعنا ميالون للمثالية، لكننا أيضاً نهرب من مثاليتنا الفكرية والعملية وتنافسيتنا المحتدة التي قد تكون بعد عدة سنوات حلماً للأجيال القادمة.
  • كان العالم الماضي غير مثالي في جوانب أخرى عديدة مما يترك مجالاً للاحتمالات والتوقعات والشوق والتخيلات، وهذا أمر في غاية الجاذبية إذن إن المثالية المفرطة والجودة العالية وكل القوائم التي يمكنها توقع كل شيء بالأرقام وبضغطة زر تجعل الأمر كله دون معنى، الوجود الإنساني يضحي برمته سخيفاً وتجربة تافه للغاية، مع هذا فإن النقص كان أحد اكثر الصعوبات التي لم ينجُ منها ساكني ذلك العالم.
  • نحن نضع مئات السنوات تحت تصنيف واحد وهو "العالم الماضي" ونرى مجمل القصة كما نطلع على خلاصة القصة الحقيقية في رواية من ستمئة صفحة ليس فيها إلا ما يريد لنا الكاتب أن نراه، والحقيقة إن عام 1850 يختلف قطعاً عن 1867 ولكل مزايا ومساوئ.
  • هناك تجارب وخبرات مؤسفة مررنا بها شكلت قيوداً معيقة ولم نحاول حلها والتخلص منها، والهروب لسنوات سابقة لها قيم ومعايير مختلفة يبدو حلاً ملائماً، لأن العيب دائماً ليس فينا بل في الزمن، نحن كائنات تحب التملص من المسؤولية، وثقافتنا الحالية تساعد على ذلك جداً بينما تلقي علينا اللوم فيما هو ليس في يدنا حقاً. (لذلك نحن في مجتمع #معاً اجتمعنا لنكون أفراداً مؤثرين نسن قوانيننا الخاصة المبنية على قيم سامية، كل فرد فينا يحمل جزء من المسؤولية، ويشعر بأثره الفعلي في المجتمع وأفراده الآخرين، سيصفق له الآخرين ويشجعوه حتى لا يبقى له عذر للمماطلة وحتى يحطم الأصفاد التي وثق بها نفسه، ثم بعد اكتساب هذه الخبرة يمكنه المساهمة بفاعلية أكثر في مجتمعه الواقعي)
هل يمكننا أن نحّنُ للمستقبل؟ يمكننا التطلع للمستقبل، تقرب ما قد يجلبه لنا من مباهج مشرقة وعوالم براقة وحداثة تأخذ الألباب، وذلك سيحدث حين تتاح لنا فرصة المشاركة لصنعه، ونتصدى نحن لذلك بثقة أكبر متحملين كل العواقب.
فعالمنا الحالي صنع أجيال مضت، أرادوا الهرب فصنعوا هذا المستقبل، ولهم ندين بالرعاية الصحية والمعرفة المتطورة، والجمال الدائم، والتقنيات المريحة… إن هربنا أين سنذهب؟ وعن ماذا نبحث حقاً؟
نحن الذين نترك إرثاً موثقاً هائلاً للأجيال، نشارك جميعنا وبمختلف الفئات بصنعه، إرثاً أكثر صدقاً من كل ما تُرك لنا من الطبقات الثرية عبر العصور السابقة. (نحن نكتب التأريخ في #سجل_الأيام، يمكنك المشاركة بذلك أيضاً!)


سمانا السامرائي
1:48 ص
2020/4/16 الخميس

ضافت زينبآ أحد أفراد مجتمع #معاً
[أظن أن سبب الحنين للماضي هو أنه انتهى، نعرف كيف بدأ وكيف انتهى وماهي عيوبه ومحاسنه ونستطيع تحليل وفهم كل تفاصيله والتعامل معها بأفضل طريقه.
وكأننا نشعر بالراحة والطمأنينة تجاهه، لذلك نحن نحبه ونشعر بنوع من الأُلفة والحنين له.
بينما المستقبل مرتبط بالمجهول، والمجهول دائما مُخيف، وأيضًا نحن نقيس المستقبل باللحظة الحالية التي نعيش في تخبطها وفوضويتها وكأنه سكون امتدادًا لها، لذلك نخافه.
"نحب الماضي لأنه ماضي، ولو عاد لكرهناه"]





Share on Tumblr

تعليقات