التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رجل عادي

رجل عادي






أنا محض رجل مكتب عادي
أحياناً يبدو لي الأمر إنني أقل من ذلك
دائماً مشغول... دائماً متعب...
من الساعة الثامنة صباحاً حتى السادسة مساءً وقتي وفكري ليسا لي... 

أعمل في مكتب، لكنني أحمل أغراضاً ثقيلة من أجل العمل أحياناً...
أركض في الأرجاء...
وأتقبل إهانات وتوبيخ من مختلف الأشخاص،  مدراء أو عملاء... لا يهم... المهم إن علي أن أحتمل...

هكذا عشت في سنيني السابقة... 
وهكذا سأعيش في السنين القادمة... 
حتى أتجنب الألم الذي لا يمكنني تغييره... 
حتى لا أسقط في ديون تجعل حياتي أكثر بؤساً...
كل الناس تعيش هكذا... الاقتصاد سيئ... 

لن أفكر بمن هم أعلى... 
لن أفكر بمن هم أدنى... على أي حال لن أستطيع مساعدتهم. 

قلبي مثلي عادي أيضاً... أمور كـ"الحب" لا يعرفها... 
ولن يعرفها لأنه عادي للغاية... 
ربما حين يحب هذا القلب سيصيبه الطمع... 
سيحلم بحياة أفضل... حياة سعيدة... 
وهذا سيعذبني... 

ولأني رجل عادي سأتزوج من فتاة الحي التي تسكن بجانبنا...
أمي تحبها... تقول إنها طيبة... وخصبة ستنجب لي الأطفال خصوصاً الذكور منهم... 
وهكذا سيستمر نسل هذا الإبن الوحيد... 

أمي تقول إنها ستتحمل وضعي المالي... وستصبر على ساعات عملي الطويلة... 
رغم إنها ليست جميلة ورقيقة ومحبوبة كما يلزم... 

لكن... أنا... في مساء ما... 
تناولت عشائي برفقة زملاء العمل في مطعم ما... 
كانت صاحبة المطعم سيدة غير عادية... 
وعندها نسيتُ إني رجل عادي... 
وأغرمت بها من النظرة الأولى... 
صدى ضحكتها كان يرن في ثنايا يومي... 
اكتسبت عادات خطيرة... بدأتُ ابتسم... 
وأصبح طعام أمي لا يروقني... 
مهما حصل كنتُ أتناول الطعام في مطعمها... 
لم أتحدث معها... 
حتى وإن كنتُ نسيت الحقيقة... 
لكن الرجل العادي لا يصبح رجلاً ساحراً بين ليلة وضحاها... 
مع هذا أصبحنا أصدقاء... 
حين أطلب وجبتي... حين أدفع الحساب... 
كنا نتبادل حديثاً قصيراً ودياً... 
ظننته أكثر من حديث بين زبون منتظم وصاحب مطعم... 
لأني رجل عادي... 
ولأني بدأت أحلم بأوقات سعيدة... 
ولأن قلبي العادي لا يعرف ما هو الحب...
اشتريت باقة ورد حين استولت على قلبي العادي... 
ارتديت حلتي النظيفة التي أدخرها للأعياد...
وركضت إليها... 
التبس علي الأمر وظننت إني بطل فيلم ما... 
مددت يدي لأناولها الباقة... وأنفاسي غير منتظمة... 
فشكرتني، وقالت "كيف عرفت إنني سأتزوج مديركم؟" 
مدت يديها لتلتقط الباقة مني...

لكنني تمسكت بقوة بالباقة... لن أعطيها إياها... 

شكرتها بسرعة وركضت مجدداً برفقة الباقة... 

ستراني غريباً... ستراني معتوهاً... 

لا يهم... فأنا رجل عادي وقته ليس ملكاً له... 
إن وقته لأطفاله الذين لم يلتقي بأمهم بعد... 

طوال طريق عودتي كنت شاكراً... 
فقد ذكرتني إنني محض رجل عادي وأيقظتني من حلم خطير... 
كان سيجلب البؤس لي حتماً...

كما إني تداركت الوضع قبل أن أهديها هذه الباقة الثمينة... 
سأعطيها لأمي العجوز الآن لتخطب فتاة الحي التي تسكن بجانبنا... وستطمئن وستهلل فرحاً... 

لكنني كنتُ حزيناً وبعمق... 
حزيناً وبائساً ومُعذباً... 
ليس لأنها تركتني... فامرأة غير عادية ستتزوج رجل غير عادي... 
ليس لأني أحببتها ففي الصباح حين استيقظ سأكون قد نسيت كل شيء... 
وإن تبقى شيء آخر سأنساه أثناء ساعات عملي الطويلة التي تنسيني نفسي... 
لكن لقد أنفقتُ كثيراً من النقود لآكل في مطعمها... 
وفي الوقت الحالي سأكتفي بالخطبة...
وسيتحتم علي أن لا أحتفل بالأعياد هذا العام.


١:١٣ ص
١/١١/٢٠١٧ الأربعاء 

سمانا السامرائي







Share on Tumblr

تعليقات

  1. الله الله جميل يا سمانا سرد قصصي مشوق فعلا

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً أستاذنا على قراءتكم للنص

      شهادتكم وسام شرف 🏅

      حذف
  2. عندما يضمحل الأمل، ويتصبح الأشياء رمادية..
    عندما تصبحُ "الأحلام" كابوسا قد ينقض رتابة الأيام..
    عندما يتساوى الليل والنهار ويُفقدُ الإحساس بالوقت..
    عندما يكون طعم العيش علقما لا يعرف متى ينتهي..
    عندما يوكِلُ الرجلُ مصيره لمن يسيرهُ كما يشاء..
    عندما تموت روحه..
    يصبح الرجل حينها "عاديّا!"


    أحسنتِ يا صديقة.. شعرت بأشياء متداخلة أسفرت عن يقين أني لن أمسي
    "فتاةً عاديةٌ"❤

    ردحذف
    الردود
    1. يا لها من قراءة جديدة ومختلفة للنص!


      لقد استخرجت جوانب أخرى في النص ونظرت بعمق ✨

      شكراً لك 💟

      حذف
  3. رجل عادي
    عنوان وافي لما كتبت واجدت في الكتابه
    دائما عندما اقرا ابحث في العنوان اولا او اقرا العنوان واصاب بخيبه عندما لا اجد ما مكتوب معبرا عن العنوان اما انت فجعلتهم تعبيرا واحدا جمعت الكل
    فشكرا من اعماق القلب لما تكتبين

    ردحذف
    الردود
    1. عفواً 🌹


      شكرا لقراءتك النص، ومتابعتك المدونة بشكل مستمر، سعيدة لأني عند حسن ظنك 💟

      حذف
  4. وكأني اتخيل الرجل العادي امامي ،عشت مع احداثها وحبست انفاسي عند وجود الامل بوجودها ولكنها لم تكن نصيب ذاك الرجل العادي.
    ششكرا💕

    ردحذف
  5. جميل جداً اسمري ي مبدعة

    ردحذف

إرسال تعليق