التخطي إلى المحتوى الرئيسي

#تدوينة_آخر_الليل : ما معنى "شكراً لأنكِ ربيتني لأكون جميلة وذكية" في الثقافة الكورية؟

#تدوينة_آخر_الليل : ما معنى "شكراً لأنكِ ربيتني لأكون جميلة وذكية" في الثقافة الكورية؟




في كل ثقافة هناك مفاهيم لا يمكن أن تفهمها إن لم تتطلع على التأريخ كاملاً ، وترى المجتمع بكل زواياه وأبعاده، ومنها الثقافة الكورية   وجملة يقولها الأطفال دائما لوالديهم ولأمهم خاصة  "شكراً لأنكِ ربيتني لأكون جميلة وذكية"، ويقول الآخرون حين يرون طفلةً  لطيفةً ومهذبةً "من رباها لتصبح بهذه الجمال والذكاء؟ لا بد إن لديها والدان جيدان".
حين ترى هذه الجمل تشعر إن هناك خطب ما في تركيب الجملة، كيف تربي فتاة  لتكون جميلة وذكية؟ فالجمال  هبة من الله والذكاء هبة، قد يختلف نوع الذكاء في الطفل ولكن هو يولد به ويستطيع لاحقاً تنمية الجوانب الأخرى إلى حد ما، ثم  هنا سيأتي أحد المدافعين عن حقوق المرأة ويقول " إنهم رجعيون متخلفون يقيسون تفوق المرأة بمقدار جمالها ثم يأتي الذكاء لاحقاً".
لنرى إن كانت هذه الإدعاءات صحيحة أم لا ؟أولاً لنبدأ بتعريف الجمال في هذه الجملة ، غالباً ما يشير الكوريون إلى الأشياء الرقيقة والنظيفة والراقية بكلمة "جميل" وهنا علينا أن نبدأ الإبحار في عمق التأريخ لنعرف دلالات كلمة جميل. الكوريون عاشوا حقب  من حكم الممالك المتتالية  التي كانت تقسم الشعب إلى أربعة أقسام (ملوك و الحاشية الملكية (سياسيين)، تجار أثرياء، مزارعون بسطاء ويشكلون عامة الشعب، والعبيد) واستمروا في نظام العيش هذا حتى مطلع القرن المنصرم ، والفتيات من عامة  الشعب ستقضي حياتها في الحقول الصيد أو المزارع  حيث تصبح ذات شعر أشعث ، وبشرة داكنة وجافة،  وشفاه متشققة حتى أجمل الجميلات لن تبدو جيدة المنظر وغالباً منهكة في سن صغير من كثيرة الولادة والعمل  ولا خيار أمامها لتغيير قدرها.
 عدا بعض الفتيات التي يتوسم أهلهم فيهم الرقة والجمال منذ نعومة أظفارهم، أو يشعروا بالإنزعاج أو الثقل لولادة أنثى، أو يدفعهم جشعهم لتغيير مصيرهم على يد هذه الطفلة، أو يوشك الفقر على قتلهم فيتاجروا بمصير هذه الطفلة، فيقومون برعايتها بعيداً عن الشمس  والعمل، ويعلمونها القراءة والكتابة ليدخلونها لاحقاً مجرد أن تبلغ  ما يقارب الرابعة عشر أو أصغر قليلاً إلى البلاط الملكي لتتعلم فنون الخدمة الملكية وتنخرط في أحد أعمال البلاط المختلفة والمتنوعة، ولو كانت ولدت بجمال خاص وحظ مميز فتستطيع أن تجذب أنظار الملك وتكون محظيته وبهذا تغير مصير عائلتها للأبد.
هناك الفئة الثانية الذين يدفعهم الفقر أو ثقل مسؤولية ولادة أنثى إلى التخلص من الفتيات وبيعهم بسعر جيد بعمر صغير خصوصاً اللواتي تربين بعيداً عن الشمس ويمتزن بمقدار من الجمال   إلى بيوت ال(غيسينغ)، و ال( غيسنغ) مجموعة من الفتيات اللواتي يجدن الغناء والرقص على الألحان الشعبية،ويزين مجالس الإحتفال الخاصة بالتجار الأثرياء وجلسات السياسيين كما تزين الزهور غرفة ما، وعادة ما يرتدين ملابس زاهية ويضعن الكثير من الزينة.
حتى هنا إستطاعت بجمالها الذي رباها عليه والداها أن تنعم بحياة أفضل من غيرها ولكن متى يأتي دور الذكاء؟ يأتي دور الذكاء لاحقاً عندما تلفت أنظار الملك –إن لم  يلتفت لها بسبب جمالها- وتستطيع أن تتلقى نعمته كما يقال وتنجب منه أميرةً أو أميراً، وإن كانت أذكى قليلاً ستستطيع أن تصبح المحظية الأثيرة لدى الملك وهذا يجعلها تترقى، وإن كانت أذكى قليلاً  (بمعنى أكثر خبثاً) فستتخذ بعض التدابير التي تمكنها من اعتلاء العرش كملكة أو تنصيب أميرها كملك، أو التدخل إحداث انقلاب ضد الملك الحالي لتزوج إبنتها للملك القادم أول تقوم بما يضمن لنفسها حياة مريحة، أو تصبح تاجرة في السر بهدوء وتوفر لعائلتها بالإضافة إلى الشرف الكثير والكثير من المال.
أما ال(غيسنغ) فستكون ذكية اجتماعيا وتتظاهر بما ليس فيها لتصطاد المعلومات المهمة من السياسيين والتجار وتجار بالمعلومات، أو تستخدم المعلومات لصالح تجارتها الخاصة، وعادة ال(غيسينغ) يمتلكن  الكثير من الأسرار التي تمكنها من تدمير ملك وتنصيب آخر، أو دعم ثورة  أو أسقاط تلك الثورة لحفظ الملك. وقد شهد التأريخ على (غيسينغ) غيرن مجرى هذا التأريخ.
لذلك حتى هنا أجد إنه أصبح من الواضح ما معنى جملة "شكراً لأنكِ ربيتني لأكون جميلة وذكية" طبعاً حصلت تحويرات عديدة في المعنى بينما صمدت الجملة ومعايير الجمال إلى حد ما عبر الزمن، وقد اختلفت معايير الجمال وتغيرت في العقد الماضي كثيراً وأصبح شأن النساء الكوريات اليوم  بتأثير العولمة شأن أي فتاة حول العالم تحب الجمال وتهتم بصرعات الموضة وتطمح لأن تكون أجمل وأكثر تميزاً بما يخص مظهرها.
وما زال بياض البشرة ورقة الجلد ونعومته ورقيه ونظافته مضاف له العيون ذات الجفون المزدوجة من أهم معايير الجمال في الوقت الحاضر رغم تغير الدلالات والتفكير وتنوع وسائل التجميل.
بالنهاية أود أن أقول لا تحكم على أي ثقافة من أي بلد حتى إن كان من بلدك دون معرفة العمق التأريخي ودراستها من كل الجوانب، فنحن في زمن تفرض علينا المفاهيم فرضاً ويحب أن يقنعنا الآخر بأننا مخطئون وإن  تفكيره وكلامه هو الصحيح، في حين الكلمة  قد تكون لها قصة ممتدة عبر التأريخ وليس لها أي معنى مسيء أو مهين.



نلقاكم في تدوينة  آخر ليل أخرى لنتحدث عن أفكار عراقية تفهم خطأ إن شاء الله.
شكراً من الأعماق لقراءة هذه التدوينة وأتمنى أن تكونوا قد استمتعتم برفقتي ونحن نبحر في عمق التأريخ الكوري والثقافة الكورية وأعتذر مسبقاً عن أي أخطاء مطبعية واردة في النص لكوني أكتب آخر الليل وأنا مغلقة العين تقريباً.
سمانا السامرائي
3:47ص

08/10/2016
Share on Tumblr

تعليقات