التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما بعد الظهيرة



ما بعد الظهيرة 


العصر، ذلك الوقت الرائع والمفضل من اليوم لربات المنازل. إنه وقت مثالي للاستراحة بعد إنهاء جميع الأعمال المنزلية المهمة. ولكن هي تعتقد أنها اليوم محظوظة أكثر من بقية النساء فصغيرتها ذات السبعة أشهر أخيراً أطفأت جميع محركاتها وغفت لتريحها من عناء بكائها المتواصل بدون سبب، الذي يؤلم الرأس ويجعل الصبر الطويل ينفذ.
شغلت التلفاز وكان هناك مسلسل تلفزيوني لا تعرفه يظهر على قناة لم ترها منذ مدة. ذهبت للمطبخ لتُعد لنفسها شاياً أخضراً بالنعناع، وحين وصلت للمطبخ تذكرت أن كل ما عليها فعله هو غلي الماء. إنها ليست إمرأة كسولة، لكنها لا تريد أن تعكر صفو هذه العصرية الجميلة وهي تتأمل بهدوء منزلها المرتب وابنتها النائمة.
فتحت الثلاجة لتبحث عن شيء ما يصلح للأكل مع الشاي، فسمعت البطلة في المسلسل تقول: بإذن الله سيعود الغائب.
فردت عليها: وكيف له أن لا يعود وقد أودعته في حفظ الله ورعايته؟ لكن لماذا لا يوجد أي شيء صالح للأكل مع الشاي؟ هل أتناول جبنة مع الشاي؟ لكنها جبنة مالحة! لن ينفع الأمر.
فتحت الدواليب وهي تبحث عن شيء يصلح للأكل مع الشاي، لن تستسلم اليوم فهي تريد عصرية مثالية، فدعت من أعماق قلبها أن يحصل شيء ما يجعل هذه العصرية وقت لا مثيل له في البهجة. ثم وجدت بعد ذلك علبة من بسكويت الزبدة وشعرت بسعادة غامرة، وحينها تناهى إلى سمعها جملة قالها أحد ما في المسلسل: الحمد لله على نعمة النسيان. فضحكت قائلة: النسيان جعلني أحصل على بسكويت زبدة مثالي لهذه العصرية. شكراً لله على نعمة النسيان. (فتحت العلبة) يبدو أنه بسكويت قديم بعض الشيء، ولكن هذا لا يهم، إن بسكويت الزبدة لا يفسد ولا يتغير طعمه أبداً.
هناك قُرع الجرس وبدأت أحلامها ومخططاتها لعصرية هادئة مفعمة بالسلام تتبخر، فبكت وأرادت حينها أن تدفن نفسها حية في مكانها، أو أن تتلاشى في الجو! نثرت شعرها ولكنها حاولت التصرف بقليل من الهدوء والتعقل. ارتدت عباءتها وقررت فتح الباب لذلك الشخص وقتله بدل قتل نفسها... كان هذا قراراً حكيماً، وستتخذه حتماً لو كنتَ مكانها.

كان القارع زوجها الذي انقطعت أخباره تماماً منذ شهرين، الذي بينما يئس الآخرون من رجوعه ظلت هي محافظة على هدوء أعصابها تنتظره وتدعو من أجل عودته،وكانت واثقة بأن الله سيعيده لها. كانت واثقة جداً، واثقة للغاية، ولكن لم تعتقد أبداً أنه سيعود بهذه السرعة وبهذه العصرية الجميلة. لقد جهزت نفسها لانتظار يدوم سنوات وأكثر.
عاد للبيت أخيراً وهو يحمل الانتصار للإسلام والوطن كأشرف هدية يمكن تقديمها لأحد.و كان متلهفاً لرؤية ذلك التعبير الأبله الذي يُرسم على وجهها كلما شعرت بالمفاجأة. كانت هي تمثل له الوطن والمنزل والعائلة، وابنته تمثل ذلك المستقبل المشرق الذي يحلم به.
إنها مصدومة، متفاجئة، مندهشة، سعيدة، تشك في أن هذا حلم، خائفة من الاستيقاظ من هذا الحلم السعيد،وفي قمة الهلع من أن يكون هذا حقيقة ومظهرها بهذه الشناعة، وتتمنى أن يكون حقيقة، وتستعد للبكاء لرحيل حلمٍ مؤقت، بينما ستبكي أيضاً من فرط السرور إن كان حقيقة. مزيج من المشاعر المتضاربة الفاخرة. وكما تمنى هو ظهر ذلك التعبير الأبله.
- (باهتة ومتجمدة في مكانها) أنت حقيقة، أليس كذلك؟
ابتسم بسرور وقال"أجل. هذا أنا... ولقد عدت بفضل الله"
ركضت نحوه وهللت ثم تلمسته وأيقنت إنه حقيقي فقالت " صلوات على محمد وآل محمد"
حضنته بكل ما أوتيت من قوة بمقدار حبها، وشوقها، ودموعها في أيام الإنتظار الطويلة، وإيمانها بأن الله سيعيده لها سالماً.
- هلا رفقتِ بضلعي الكسير؟
-آسفة، يا روح روحي. لا بد إنه كان وقتاً عصيباً! أدخل.. أدخل.(غمرها السرور فَبَكَتْ)
-إممممم (أومئ رافضاً) كان أحلى على قلبي من العسل، كنا ندافع عن دينه وهو لم يتركنا.... الحمد لله دائماً وأبداً.
فاضت عينه بالدموع ولكي يخفي دموعه قربها منه وقبّل جبينها وقال: إشتقت لك يا من جعلني أتمسك بالعودة منتصراً.
ما أن أكمل جملته حتى بكت طفلتها، فقالت ضاحكة بدلال: إنها تشعر بالشوق لوالدها أيضاً.



تمت
شاركوها إن حازت على إعجابكم، شكراً لقراءتكم

إقرأ أيضاً سبعة عشر دقيقة
7\3\2016 الثلاثاء
6:18م
سمانا السامرائي

Share on Tumblr

تعليقات

  1. اجمل ما قرات لحد الان
    كتاباتك غايه في الجمال
    وكنت محتاجه لهذا الكلام

    ردحذف
    الردود
    1. ووجودك معي، وتشجيعك لي لا يضاهى بثمن...يسعدني إنها حازت على إعجابك

      حذف

إرسال تعليق