التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وا أسفي على زبيدة

وا أسفي على زبيدة


وجدتُ على عتبة داري أوراقاً مصفرة واحدتها بحجم الكف على أشكال مختلفة، من تركها هنا؟!
تناولتها تحسستُ ملمسها الخشن وحاولت قراءتها، لكن الكلمات مشوشة في عيني، عدا اسمي (زبيدة) الذي بدا واضحاً.
أعدتُ قراءتها فوجدت فيها شعراً رقيقاً، وإهداء انتصارات في معارك من مقاتل يدعى "علي".
قد لا أعرفه لكن روحي تعرفه جيداً. لقد التقينا سابقاً في مكان ما. أخذتني قدماي -والعبرة تخنقني -  إلى ساحة المعركة لأبحث عنه وأشكره لأنه ذكرني بشيء عظيم كهذا ولأنقذه فأنا أشعر كما لو أن قدرينا مرتبطان جدا. السماء كانت مغبرة والرؤية صعبة ،ووابل الرصاص يتساقط من فوقي ومن حولي كالمطر، والألغام الأرضية لا تنفك تنفجر لحظة تلو أخرى، الحريق ينتشر، والدخان يمنع التنفس، كأنها نهاية العالم، ثم وجدته وحيداً ملقىً على الأرض مثخناً بالجراح وقد أسند ظهره إلى عجلة ضخمة، مع ذلك كان بهيئة قوية مهيبة تليق بفارس مغوار.
وصلت متأخرة جداً فقد كان يحتضر ولم أستطع شكره أجهشت بالبكاء واجتاحني الندم ثم نظر إلى برفق وقال: "وا أسفي على زبيدة" كما لو إنني كنتُ سأكون شهيدة وأغادر معه عن هذا العالم ولكني خسرت تلك الفرصة، كما لو كُشف له الحجاب فرأى شيئاً من مستقبلي.
أيقظتني والدتي وكنت ألهث وأبكي بحرقة سألتني إن كنتُ بخير؟ فلم يكن لدي رد سوى" إنه حلم" ولكن في داخلي أيقنت إنه أكثر من ذلك بكثير، ثم طلبت مني لبس حجابي وعباءتي للذهاب ومساندة الجيران وتقديم التعازي بمصابهم الأليم، وكالمنومة مغناطيسياً فعلتُ ما طلبته مني بدون سؤال ولا مماطلة على غير عادتي، وذهبتُ معها إلى مجلس العزاء. 
ما إن دخلنا من بوابة جيراننا حتى عصف بكياني حزن مزلزل، وبدأت قواي بالاضمحلال، والدموع تتساقط من عيني بغزارة، ثم سألت أمي دونما رغبة حقيقية في الحصول على إجابة "من المتوفى؟" قالت أمي: "ابنهم البكر استشهد في الجبهة" قلت: "هل كان يدعى علي؟" وأنا أنظر إلى أمي نظرة متوسلة لتنطق بـ"لا" ولكن وقع "نعم" أحال روحي الزجاجية إلى أشلاء. خارت قواي وسقطت أرضاً وتمتمت قائلة: "وا أسفي عليك يا زبيدة".







تـــــمـــت
سمانا السامرائي
1/8/2016 الإثنين
5:30 ص


Share on Tumblr

تعليقات

  1. كم عمرك يا سمانا؟.. اي كان انا اعطيك عمر ال 40 عاما كعمر قريب لك ...يبدو ان الكتاب لا يفارق وسادتك .. لا يسعني القول سوا انتي رائعة ..احببت كل سطر من هذه القصة .... كلام زبيدة الذي اشبه بخاطرة او شعر بالبداية جذبني لهذه القصة ولم يخب ظني بحماسي لهاا ...استمري ..انتي رائعة ♡

    ردحذف
    الردود
    1. عمري 21 سنة ... شكرا على تقديرك لعمري هذا فخر كبير لي

      وشكرا على وقتك وقراءتك وتعليقك اللطيف 💕

      من دواعي سروري إنها حازت على إعجابك.. وسأعمل جاهدة على إظهار الأفضل دائما لكي لا أخيب ظنك ❤

      حذف
  2. ماشاءالله أحقا مطلع العشرينات!
    حقا لم أحسبك إلا أواخرها..
    ماشاءالله مائة بل يزيدون
    الجنة لمن رباكِ أن تكوني جميلة وذكية هكذا
    رحم الله رحِمًا حملك و لقبًا رعاكِ
    بوركتِ يا صديقة.. يزداد اعجابي بك تدوينة بعد أخرى ❤❤

    ردحذف
    الردود
    1. كل الشكر لكلامك العذب، ودعواتك الحلوة، ومرورك العََطِر

      بوجودك الرائعين مثلك أستمر 💗💕 فشكراً

      حذف
  3. وا اسفي على ........
    جميل وواقعي

    ردحذف

إرسال تعليق