التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رسالة إلى صديقتي المستقلة

رسالة إلى صديقتي المستقلة





لم أكن لأكتب حرفاً واحداً في هذا الموضوع سابقاً لأني لا أرى إن إتباع رغبة الشخص ورؤيته تحتاج لتحزبه وتقاتله مع الآخرين الذين يختلفون عنه في الرؤية والأهداف، أما وأن صديقتي تمر بمحنة لكونها مختلفة فوجدت إن من واجبي دعمها ومساندتها، وأتمنى أن تحتضن هذه الكلماتُ قلبها بدفء.

صديقتي العزيزة المجهولة قد تكونين من تكونين، وقد أكون أنا أنتِ في المستقبل، أكتب ُ لك وأنا أشعر بالخجل منك لأنك تعيشين في عالم يعاملك وكأنك مريضة عقلية أو مريضة بمرض معدي خطير،  وأشعر ببعض المسؤولية لأني لم أعرفك ولم أتواجد إلى جانبك لأساندك، ولكني وكلي ثقة إني كلماتي لك ستقرئينها أينما كنت، وستستيقظ تلك الفتاة القوية في داخلك التي لا تحتاج أحداً سوى الله ونفسها لتنهض من الأعماق السحيقة لتنطلق إلى النجوم وبما إن كبوتك بسيطة، بل هي أقل من أن توصف بكبوة ستنهضين بسرعة.
صديقتي هل تذكرين حينما كنتُ في بداية العشرينات من عمرك كم كانت ثقتك بنفسك وبآرائك كبيرة؟ هل تذكرين حين قلتِ لأول مرة إنني لا أريد الزواج كم قلتها بتحدٍ وعقل متقد؟ هل تذكرين كم بحثتِ في نفسكِ وفي الكون وفكرتِ حتى وصلتِ لهذه النتيجة؟ هل تذكرين حين قلتِ " إنني لستُ مغرورة، ولا متعجرفة، ولا غبية، أنا أدركتُ إن هذا الدرب لا يلائمني ولذلك لن أظلم نفسي ومن قد يكون معي وأرتكب ما قد لا يحمد عقباه؟"،  تذكري كل ذلك جيداً، فما يحاول الآخرون أن يجعلونك تصدقيه هو إنك الآن بائسة جداً، ونادمة أيضاً، وإن ندمك.. أنت مستحقة له فعلاً، ولكن هذا ليس صحيح، إنهم يحاولون إيهامك بذلك، إنهم يتكلمون من الصباح حتى المساء وفي كل مناسبة، وفي كل وقت عن كونك عزباء "مسكينة" و" وحيدة" وكلامهم أثر فيك عميقاً فهو أسوء وأكثر تأثيراً من أي سحر، ثم منذ متى كانت الوحدة سيئة بالنسبة لك؟ ألم تكوني مغرمة بها دائماً وما زلت؟ ومنذ متى كان التواجد بجانب الآخرين مريح لك وخصوصاً إن ذلك التواجد يفرض عليك مسؤوليات؟-- علاوة على إنك لستِ وحيدة البتة فلديكِ من الأصدقاء والأرواح المحبة التي تعتني بك ما يتمناه كل شخص--  ومنذ متى كنتِ ترغبين في أن تكوني أماً أو تتنازلي عن بعض إهتماماتك وتأخذي من وقت فراغك لتعتني برجل؟ ومنذ متى كنتِ بحاجة لرجل ليعتني بك ؟ أصلاً منذ متى كان الرجال يجيدون الإعتناء بالآخرين؟
لنواجه الواقع أنت ِ الآن ناجحة للغاية وقد حققت معظم ما كنتِ تطمحين إليه وما زلت تعملين بجهد من أجل تحقيق الباقي، وفيما لو شعرتِ ببعض الوحدة فهذا لأنك لا تعطين كل النعم في حياتك ما يستحق التفكير بها وشكرها والعمل على تطويرها، لستِ مُركزة تماماً وقد يكون بسبب إن كل العيون التي تحيطك تحاول إظهار الشفقة وإشعارك بالندم وهذا ما ستتجاوزينه مؤكد .
أرى بعض الدموع تنهمر من عينيك، دعيني أمسحها بتناول بعض الأحاديث التي تدور حولك من قبل المتزوجات وتحليلها وتفسيرها... متأكدة من كونك تدركين تفسيرها ولكن لنتسلى. ملاحظة لا تستخدمي هذا النوع من التسلية كثيراً فلا ينقصنا شيء آخر لنكون متعصبين بشأنه، أنت اتبعت ما يناسبك وهم اتبعوا ما يناسبهم، ولكن بما إنهم يبالغون كثيراً، ويتعدون على خصوصيتك وحريتك في إتخاذ القرار ، لا بأس في بعض التسلية.
أولاً: وبعكس ما يدعون من كونك كبرتِ، وهرمتِ، ولم تعودي جذابة إنهم يخافون أن تخطفي رجالهم منهم، ليس لأنكِ خطافة رجال سيئة، ولكن لأنك ما زلت "بقلب نقي"  "جذابة" و"شابة" وكأن العمر لم يمر عليك وهذا تحديداً ما يقلقهم حين يقارنون أنفسهم بك.
** ملاحظة لهم: أنتِ لو أردتِ الزواج لكنتِ فعلتِ ولن تتزوجي الآن بالطبع حتى لو رغبتِ  بالزواج من رجال مستعملين.
** ملاحظة لك لو شعرتِ داخلياً إنكِ متقدمة في السن وهو ما لا يظهر عليك خارجياً  وكلي ثقة بذلك، مارسي بعض الرياضة أيتها الكسولة وأهتمي ببشرتكِ أكثر حتى يختفي هذا الشعور. ثم ما الضير في التقدم في السن؟ هل المستقلة لا تخضع للقوانين البشرية العامة J؟؟؟
ثانياً: الكل يحاول جعلك نادمة، ذلك أن كونك سعيدة وناجحة بطرق مختلفة عنهم لا يروقهم، إنهم يحاولون جعلك متأسفة لكونك "مميزة" ولم تسلكي إلا الطرق التي تناسبك، وربما هي الغيرة التي قد يكونون مدركين لها أو قد لا يكونوا فربما إن أغلب من يتدخل في حياتك، كان يرغب في أن يكون مثلك ولكنه إنصاع لرغبة المحيطين والمجتمع، وكلام الأفلام الفارغ عن الحب، والرغبة في تقليد الآخرين ورؤية لماذا هم فرحون؟ وهنا أكل المقلب الأكبر في حياته إنهم لم يكونوا سعداء ولم يكن هناك سوى الشجار في معظم الأحيان، ولكن حاولوا إيهام الآخرين بأنهم يكادون يموتون سعادة وحباً ليشعروا بالرضا، وها  هو يحاول إسقاطك أيضاً في الفخ كما سقط في فخهم، كونك سعيدة يشعره بالنقص، يجعله يرغب في العيش مثلكِ ولكنه لا يستطيع، لا يقدر... لقد حُسم الأمر.
ثالثاً: محور حياتك المختلف والذي هو ليس رجل وليس نميمة وليس طبخ وليس عمل منزلي، وكونك قوية، ولا تحتاجين أحداً لإنجاز معظم ما تريدينه، وتفعلين كل ما تريدين بغير قيد أو شرط والمال الذي تحصلين عليه هو لك وحدك فلا أقساط مدرسة ولا ملابس وحفاظات أطفال بل هناك أقساط منزل وسيارة وسفر، وهذا يصيبهم بالقشعريرة والانزعاج كما لو لا يوجد شيء آخر ليقلقوا عليه بالحياة سواكِ، ليتهم ألقوا بال لأطفالهم بالقدر الذي يزعجونك فيه.
رابعاً: الناس متعصبون لنوع حياتهم لحد يثير الغثيان، يصعب عليهم تقبل أن الآخر سعيد بطرق مختلفة، وهذا عكسك أنت التي لا تقولين إن المتزوجين حزينون ولكنك تعتقدين إنكِ لو تزوجت لعانيت لأنه الأمر لا يروقك. وصدقيني حتى لو كنت متزوجة راضية وسعيدة ولديك طفل، سيأتي أحد ما وسيقول كم أنت بائسة لأن لديك طفل واحد، ولاحقاً حين تنجبين أربعة أولاد أو خمسة وكنتِ أيضاً راضية ومسرورة سيأتي شخص ما ليخبرك كم إنك بائسة لأنك تخليتِ عن عملك، وهرمتِ بسرعة، وجسدك أصبح مريعاً بسبب الأطفال، أما لو كنتِ بعد إنجابك لعدة أطفال وما زالت بشرتك نضرة وجسدك رائع وعملك يسير على خير ما يرام، فتُتُهمين بالتركيز على نفسكِ وعدم تربية أولادكِ، ودعينا يا صديقتي لا نذكر موضوع جنس المولود فلو كان ذكراً سيقولون مسكينة إن البنت جنة وقد حُرمتِ منها،  ولو ولدتِ بنت فأنتِ مسكينة لأنكِ لن تسعدي زوجك وتربطيه بك. عرفتِ ما أرمي إليه صديقتي؟ نعم هذا العالم مجنون تماماً.
خامساً: يحاولون إشعارك بأنك تعيشين بين كثبان رملية، تنامين على سرير عفن، الأرضة نخرت معظمه، ورائحتك تشبه البصل، إفتحي عينيك عزيزتي وستجدين إن الواقع مختلفة للغاية أنظري من يعيش هكذا وستعرفين لماذا قالوا هذا الكلام.
سادساً: هناك فئة ستشعرك إن مفاتيح الجنة في يدها، وهي قاضي القضاة يوم المحشر، وأنتِ لكونك مستقلة ستخلدين في النار . هذه الفئة بالذات أنصحك بحرقها فوراً  ودون تردد وببرود أعصاب - من عقلكِ طبعاً ^__^ -

سأكتفي بهذا القدر من التسلية، فالضحك ربما سيقضي علينا.
صديقتي في النهاية أرغب في أن أقول لك أنظري لأعماق نفسكِ، وجرديها من أحكامها المسبقة، والكلام الذي قد تشبع به رأسك، ومن كل ذرة خوف من أن يكون ما تجدينه في داخلك مخالف لخيارك، وحينها قرري ما تريدين فعله الآن وما تحتاجين له فعلاً فلو كان زواجاً فلا بأس ولا ضير أن تدركي أنك في هذه المرحلة من حياتك تحتاجين للزواج ربما - وهذا ما أشك فيه لأن جوهرك نفسه لم يتغير- ،  ولكن حتى ولو كانت النتيجة إيجاباً لا تحتاجين لإظهار الندم فحتى لو عاد بك الوقت للوراء مليون مرة ستتخذين ذات القرار مليون مرة، لأنك لم تكوني مستعدة كما أنتِ الآن، كان لديكِ من الأسباب المنطقية والنفسية الكثير.. أنتِ الآن مستعدة والله يعلم فأصبري وأشكريه، فهو يهيئ لكِ ما تريدينهِ بأفضل طريقة ممكنة لك. وقد تجدين إنك تمرين بمرحلة من السأم في حياتك ومن كل شيء فحاولي بعث التغييرات البسيطة في حياتك وسترين الفرق في روحك وافتحي عينيك جيداً وأنظري للعالم حولك فأنت تعيشين بفضل الله أفضل حياة فلا يضرك كلام حاقد، أو منافق. وقد ترين إنك لم تحققي شيء في الحياة فتذكري إنك ما زلت شابة إبدأي حياتك ومشروعك الآن ، لا مزيد من التأجيل والكسل والتقاعس، بعزم واجهي الحياة وكل الناس، إبتسمي وارقصي وامرحي فاليوم يومك والحياة حياتك وأنت تعيشينها كما تريدين، نحن نعيش مرة واحدة لا مجال للندم والتفكير الزائد والمرهق فيها ولا مجال للراحة ولا مجال للخوف أيضاً، لا تتردي لأنك إخترتِ ما يريحك بل أبذلي مزيداً من الجهد لجعل ما يريحك رائعاً ومميزاً أكثر، ما زال الوقت أمامك ولكن ليس الكثير من الوقت للأسف لأنه يمضي سريعاُ، تمسكي بالقطار الذي يسير نحو حلمك برعاية الله ولطفه ولا تنسي شكره، كوني فاعلة في الحفاظ على دينك ووطنك وتعزيزهما فهما بحاجة شخص مخلص ودؤوب ومسؤول مثلك.
أنت رائعة ومميزة وفقك الله أينما حللتِ وأزال عن قلبكِ كل تردد وحزن وهم وندم.



سمانا السامرائي
6:06 دقائق
20/5/2016 الجمعة




Share on Tumblr

تعليقات

إرسال تعليق