التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ضوئي الساطع.. صوتي الخافت



ضوئي الساطع.. صوتي الخافت









يستيقظ هو بشعور متخلخل مشتت .. هذا الشعور يشبه بشدة شعور الشوق.. هل يفتقد أحد ما ؟ من ؟ لا.. ليس لديه أحد .. يحدق في السماء قبل الذهاب إلى أي مكان ويطلب من السماوات العلى ان تريحه من هذا الشعور.



أما هي فتبكي أحيانا بقلب مثقل وبدون سبب..  إنها من النوع الذي لا يبكي بسهولة مهما قست الحياة ولكن أن تبكي بشكل مروع بدون سبب... هذا يصيبها بالحيرة جدا.
هو شخص مثابر في عمله ليس لأنه يحب العمل ولكن هو شخص لا يعرف فعل أي شيء بإتقان غير العمل.
اما هي ففتاة جميلة، خجولة، حبل صبرها قصير ، لا تنقصها الشجاعة للتعبير عن رأيها، هي متطوعة في منظمة إنسانية لمساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية والمشاكل البيئية ..ومنظمة نسائية أخرى، فضلاً عن امتهانها التدريس في روضة رفيعة المستوى للأطفال الذين يرغب والديهم برؤية مستقبل مشرق لهم في حياتهم العلمية .. وربما جعلهم علماء!.

هو انغمس في العمل لدرجة إنه فقد كل مهارت التواصل الاجتماعي.. ولكن أصبح مجنوناً عبقرياً بكامل قواه العقلية..
هذا الشعور الغريب الجديد بدأ يصبح مزعجاً جداً..ومعرقل لمهام حياته..
ولكن بطريقة ما، ولسبب ما، بدأ يصبح هذا شعور مألوفا لقلبه ومحبباً ولا يريد التخلص منه.. حتى وان قال إنه يتمنى ان يرحل للأبد. فبسبب هذا الشعور بدأ يفكر بمشاعره ومشاعر الآخرين واستعاد شيئا طفيفاً من أخلاق المعاملة الحسنة.

هي أصبحت منعزلة وحزينة... هي أحيانا تشعر بوحدة عميقة لدرجة الاختناق.. الايام تمر واحدة تلوالأخرى دون شيء جديد سوى الألم .. إنه إحساس كئيب لا تستطيع مقاومته فتنفجر باكية ..  من المؤكد إنها لم تفقد أحدا ولا تفتقد أحد.. ولا تحتاج شيء..
أفزعت والدتها ذات مرة بطلبها دعوة صادقة ليخرج منها ذلك الشبح!.





أستيقظ هو ذات صباح وهو يقول: متى ستعودين؟ اشتقت لك .. هل تعلمين إني أحبك أصلاً؟
ثم عاد لرشده فتمتم قائلاً: يبدو إني عدت لعادة محادثة أشخاص من خيالي..




أما هي فعندما استيقظت في الصباح قالت وكأنها تكمل حلمها: من انت لتفعل بي هذا؟ أنا أكرهك للغاية.. أيها الأحمق ألا يمكنك رؤية مقدار حبي؟..(أفاقت)
لحظة ! هل كان حلمي نوعاً من الأفلام؟ أنا لا أذكر شيئاً.. ربما عادت لي تلك العادة القديمة في محادثة أشخاص غير موجودين!.



هي وهو أصبح ذهنهما يشرد كثيراً موخراً ، أحلام اليقظة لا تفارقهما، يحدث ان يضحكا دون سبب وتمتلئ عيناهما بالدموع أثناء إجراء حديث عادي، ينامان كثيرا، ينقطعان عن الطعام وأحيانا يشعران بسعادة غامرة وشهية مفتوحة ورغبة في الخروج في نزهة في منتصف عمل ما.
ظن المقربون إنهما واقعان في الحب ولكن بعد فترة وجيزة استطاعوا معرفة إنهما لا يقابلان احد جديد.


                                    ~~~~~




في حلمه شاهد طيفا مضيئاً لفتاة ...


 هي أيضا تحدث معها في منامها رجل دافئ ومشرق بدون ملامح وجه تستطيع تذكرها..
 قال له صديقه " يا صاح ربما عليك البدء في التفكير في الزواج.. او الذهاب لطبيب نفسي"
فرد عليه: لست مجنون.. إنها عادة لدي في التحدث مع أشخاص متخيلون.



قالت لها أختها الكبرى "صديق زوجي يبحث عن زوجة ما رأيك في القدوم لمنزلنا الأربعاء بعد أسبوعين لحضور الوليمة التي سأعدها على شرف عودته من كندا؟"
قالت: إنه ليس موضوع كبير فقط استعدت عادة قديمة في التحدث مع نفسي ومع أشخاص متخيلون.
الأخت" اعلم، هذا لأنك كنت طفلة حالمة وذكية جداً.  أنا لست ضد هذا، حتى لم أذكره.. لابد إنه يزعجك... تأكدي من الحضور"


                                ~~~~~


وضع رأسه على الطاولة وقال: لستُ مجنوناً... هذا الصداع لا اريد ان أتخلص منه.
 نظر حوله في الفراغ ثم قال في نفسه:ماذا علي أن أفعل الآن؟




استلقت على سريرها وأطلقت تنهيدة عميقة ثم غاصت في حلم يقظة وهي تحاور ذلك الشخص قالت له: أعلم إني أتخيل .. لكن متى ستأتي حقاً؟ إن ذهب هذا الصداع ستذهب أنت أيضاً... هل علي أن أذهب كما أخبرتني أختي؟ أريد سماع صوتك.. لا تقف هناك فقط.. رجاءاً..


                                         ~~~~~


ذهب لتناول الغداء في مطعم يقع على مقربة، كانت الموسيقى لطيفة ومنعشة فأرخى رأسه على كفه يستمع للموسيقى وبينما هو ينتظر وصول طلبه... وقع في النوم، رآها هذه المرة بمظهر حزين وبشكل أوضح ولكنها ما زالت ساطعة سطوعا كافي لإخفاء ملامحها.. مد يده نحوها ليمسك يدها، ارتجف قلبه فأستيقظ من النوم وهو مبتل من العرق يسمع صوت دقات قلبه وكأنها في رأسه.









شرد ذهنها بينما تشاهد التلفاز، تخيلت نفسها تحاور ذلك الرجل، فقالت له: ماذا سأفعل مع تلك الأم ؟ إن أخبرتها بأنه تم التلاعب بها وإن من حقها استرجاع المال..سأطرد من عملي ..ولا يمكنني أيضاً أن أبقى ساكنة حيال الظلم..أنا عضوة في منظمات إنسانية بعد كل شيء..(سمعت همساً في أذنها)
  هل تعلم يمكنني إرسال بريد إلكتروني لها أخبرها فيه ما تحتاجه..؟ آه! شكراً لك حقاً. كيف لم تخطر لي هذه الفكرة سابقاً؟.. أعتقد إنني أحبك فعلاً.. أنت رجل رائع.. هل أكتفي بك وأترك الواقع؟
                                    ~~~~~




سلك طريق مختلف هذا اليوم.. لا يريد العودة لمنزل يظن كل من فيه إنه مجنون.. يريد اليوم أن يلتقي حبيبته على إنفراد في مكان هادئ .. لم يخطر في باله مكان أفضل من المكتبة العامة حيث الهدوء قاتل ولا احد سيهتم بتعبيرات وجهك.
 أرادت الهروب هي أيضاً بعيداً عن الواقع... أرادت ان تقع في الحب مع ذاك الشخص في خيالها.. لا أفضل من ارتياد جامعتها التي درست فيها والعودة إلى تلك الأوقات التي كانت حالمة وطموحة ومشرقة.. تذكر هذه الأوقات سيجعل قصتها رومانسية أكثر و ربما تصلح تبلد مشاعرها أيضاً.
جلس على الأرض بين رفوف المكتبة وقال في نفسه:إنني أشعر بالوحدة.. أعلم إنني في نعمة أحسد عليها ولكن.. أريد أن أعود لمنزل تعد فيه ربة المنزل طعاماً من أجلي كل مساء، وتحييني بإبتسامة، وتتفهمني.. ولكن ماذا لو كانت زوجة كثيرة التذمر كأختي؟ ..
ماذا سأفعل لو التقيت الفتاة التي أتخيلها؟ أود النظر مطولاً إليها والتمعن في ملامحها.. لا هذا قد يجعلها غير مرتاحة... إذن سأحضرها هنا للمكتبة واخرج رواية رومانسية و أقول بثقة لنعش حياتنا مثلهما.. ماذا لو لم تكن من محبي القراءة ولا تعرف الرواية أصلاً؟ إذن هي ليست نوعي المفضل.. ولكن أنا أحبها.. ربما الشخص الذي يحب قراءة الكتب ليس نوعها المفضل. مشكلة... سأجلس معها في مقهى وسأقول بثقة وتعجرف _هذا ما يحبه النساء_ " لا تنظري إلى رجل آخر..انظري إلي فقط .. سأهتم بك من الآن وصاعداً" ... ربما ستعدني لعوباً... سأقول بصدق "كنت أراك منذ زمن في أحلامي كضوء مشع ينير دربي.. لقد عدت للحياة الطبيعية بفضل وجودك في أحلامي.. عانيت ما عانيت من ألم الانتظار والشوق حتى أتيت.. لماذا تأخرت ؟..." . نساء هذه الأيام واقعيات، لا يحببن الرجل الحالم والضعيف، ولن تقع في حب رجل يقول هذا الكلام.. ربما تتهمني بالجنون حتى .. ليس هناك قاعدة تقول إن كل النساء سيتصرفن بنفس الطريقة تماماً هناك اختلافات بين شخص وآخر وهذا ما يفزعني.







ذهبت لتلتقي أستاذ تعرفه في الجامعة وناشط في منظمة إنسانية أنه شخص رائع للتحدث معه كما إن آرائه سديدة ومقنعة غالبا لإطلاعه الكبير على علم النفس..
من حسن حظها إنه كان يملك وقت فراغ.. احتسيا قهوة بينما كانا يتحدثان
سألته قائلة: من خبرتك الطويلة هل تعتقد إن العباقرة يرون أشخاص متخيلون ؟
فأجابها:يحتمل هذا.. إنه ليس للعباقرة فقط ... إنه شيء يراه الناس الحالمون كثيرو المطالعة، محبو الموسيقى، وأحيانا المتعبون من الناس المحيطين بهم... لأكون صريحا معك أحيانا أكلم أشخاصاً متخيلون أيضاً.
قالت: إنه ليس فصاماً؟
أجاب بتردد:أعتقد إن الأطباء المختصون قد يعرفون إذا ما كان الوضع فصاما او لا، ولكني شخصياً، لا أعده شيئاً سلبياً إلا في مراحل متقدمة جداً بالعكس إنه علاج ناجع، لاحظت إن بعض الطلبة تحسنوا نفسياً ولكن لا اخفي عليك إنهم أصبحوا أسوء دراسياً في أحيان كثيرة.
قالت بتخوف:حقاً؟
الأستاذ: أجل، ولكن لماذا انت مهتمة بهذا الموضوع؟
قالت: لاحظت بعض الأطفال يضحكون في أثناء الحصة و أجريت بعض البحوث في الإنترنت ولكن المقالات أثارت خوفي.
الأستاذ: سيتحسنون بمجرد ما يتحسن واقعهم ويحسوا بالراحة مع شخص ما في محيطهم.. الوحدة تفعل هذا ..
بعد برهة صمت قال: الجامعة تفتقد محاضراتك.. أريد أن أرتب موعداً لك مع الطلبة.. هل الخميس القادم ملائم لك ؟
قالت بشيء من القلق: يجب أن أرى جدول مواعيدي أولا.. ولكن أعدك بلقاء قريب.. فأنا اشتقت لإلقاء محاضرة لطلابك الأذكياء. شكرا على وقتك.
الأستاذ:على الرحب دوماً.
خرجت من غرفة الأستاذ والقلق يهز قلبها .. و عقلها يهزأ بقوة منها ويصرخ أنت مجنونة.. أنت غير سوية..
أسندت جسدها الرياضي الصحي على جدار الممر و أحنت رأسها للأمام متمتمة: أنت موجود حقاً .. وأنا أصدق. وإن لم تكن موجود فيسعدني تخيلك.
رأته يقف في الزاوية نهاية الممر وكان وكأنه يصغي لها ويؤكد لها حقيقة وجوده.
وجوده هناك جعل قلبها يخفق وبشدة.. واحمرت وجنتيها من فرط ارتفاع حرارة جسدها تفاعلا.











هو تخيل أنه اصطحبها إلى مطعم ذو إطلالة جميلة على النهر وانعكاس الأضواء على مياه النهر يزيد من سحر اللحظة..
قال: في الحقيقة وقد لا تصدقين إنني أحببتك طويلاً..
ثم قال بتذمر وإحباط في نفسه : ليس هذه الجملة مجدداً، ليس هذا المعنى..
أعاد المشهد في باله مراراً حتى استطاع اختيار الجملة الأولى والثانية اختياراً إعتقد إنه لن يصيبه بالندم لاحقاً... ولكنه وضع في باله مجالاً للارتجال تحسباً.. ثم محا فكرة الارتجال من رأسه فعادة جمله المرتجلة تتسبب في مشاكل وانهيارات عائلية ليس لها نهاية بالطبع هذا قبل أن يترك الحياة الإجتماعية منذ سنوات.
بدأ يتخيل كيف سيحكي هو عن شخصيته البعيدة عن الحب والمنعزلة، وعن أعماله، وعن حبه لها، وكيف غيرت حياته للأفضل وجعلته ينفتح مرة أخرى على الناس.
ثم قال في نفسه ستسئم من كلامي.. ستهجرني.. ربما بطريقة ما ستُجرح..
ستسألني أكيد "لماذا؟".. وسأجيب..
بينما كان يجيبها فكر في إن الوضع من الأساس غريب جدا وأعاد المشهد مرة أخرى في خياله.. 










هي تحب تخيل قصة لقاؤهما دائماً.. أحياناً كان تجعله شخص حضر إحدى محاضراتها، وأحياناً تسحرها فكرة أن تجعله والداً أرملاً مكسور القلب يقع في حب شخصيتها من الوهلة الأولى.
هي لا تثق كثيراً في شكلها، وحتى إن عدها الناس جميلة فهي تفضل أن يتم تقييمها على أساس شخصيتها فالجمال زائل، كما إن المرء في نفس اليوم الواحد يتغير شكله من جميل إلى قبيح بدون أدنى مبرر لذلك.
مهما كانت وظيفته كانت تسليها فكرة إنه يحبها من بعد وهي لا تعلم _ مع إني لا أدرك لماذا تسليها هذه الفكرة إلى تلك الدرجة؟_ ربما لأن أختها تزوجت بشخص كان يحبها لسنوات دون علمها وهي الآن سعيدة برفقته.. أو ربما لأن واحدة من أهم خصالها الوقوع في الحب من طرف واحد والمعاناة وحيدة، وحدث إن عبرت عن مشاعرها لشاب ذات مرة لكنه لم يعرها أي اهتمام وعلاوة عليه وصفها بالمجنونة... لذلك أرادت شخصاً يحبها بشدة لتصفه بالمجنون.. أرادت معرفة حقيقة ذلك الشعور.
أرادت معلومات أكثر دقة وهي تؤلف تلك القصة في رأسها فأتصلت بأختها
الأخت:سلام عليكم. ماذا هناك؟
هي:أختي..
الأخت:تحدثي بسرعة أريد أن أنام لم أحظ بنوم كاف ليلة أمس بسبب ذلك الطفل.
هي:حسناً.. كيف كان شعورك حين علمت إن زوجك كان يحبك لسنوات وأنت لم تعلمي حتى بذلك؟
الأخت:آه. شعرت بالفخر وإني أجمل فتاة في الكون السعادة لم تسعني. لكن شعرت بالاستياء أيضاً .. كان عليه إخباري حتى لا أقوم بأفعال تشعره بالغيرة، كان عليه إخباري حتى أحاول التقرب منه والتعرف إليه، كان عليه إخباري لنكون أصدقاء... أو على الأقل كان عليه أن يحاول أن يكون صديقي أو يحاول لفت أنظاري إليه.
هي:لكنك تزوجته.
الأخت: في بادئ الأمر كان زواجي منه بدافع الشفقة.. وكرهت هذا الشعور على الرجل ألا يحاول أن يجعل المرأة تشفق عليه..وعليه أن يتمتع بروح رياضية..  لكن زوجي كان لا يتمتع بروح رياضية، كان يتمتع بكبرياء عالٍ وهذا ما جعل زواجنا جحيماً في بدايته. حبه لسنوات ليس هو سبب سعادتنا إننا تغيرنا وأصبحنا أكثر نضجاً وتفهماً.. أنا شاكرة له لأنه لم يهرب بسبب كبريائه حين أخبرته إنَّ كبريائه مقزز وإني أستحق العيش مع رجل أفضل.
هي:حقاً حصل كل ذلك دون علمي؟
الأخت: في تلك الفترة أحببته حقاً ولم أشأ أن أدمر صورته أمامكم، كان أملي كبير بأن يصبح أفضل.
هي: أوه شكراً لك على المعلومات.
الأخت:لماذا تريدينها أصلاً؟.
هي(بدون تردد): موظفة في المنظمة غضبت من موظف آخر لأنه أعترف لها بمشاعره. تقول إنه كاذب ..
الأخت: إنها تحبه لدرجة تكره رؤيته فيه مكسور الخاطر والقلب من أجل فتاة حتى لو كانت تلك الفتاة هي نفسها.
هي توقف قلبها وكأنها سمعت موت احدهم:شكرا أختي مع السلامة. نوم طيب.
الأخت:كيف ينام المرء وقد أُيقظت فيه الذكريات؟
هي خرجت إلى الحديقة للتفكير في كلام أختها، نظرت للبدر المتألق في سماء صافية.. كان الجو أكثر من رائع نسمات الهواء المنعشة والباردة تداعب شعرها.. الأشجار ندية تفوح برائحة المطر...
عقلها وقلبها كانا من الثقل بحيث لم تحتمل الوقوف، جلست على الأرض وأسندت رأسها إلى السياج و تمتمت: إذن ما زالت تحبه!
ثم قالت مستفهمة: وأنا أحب من؟ من أنت؟
شعرت بأن أحدهم يعانقها من الظهر، شعرت بيديه حول خصرها، شعرت بخديه يلامس خدها، مما جعل جسدها يقشعر ويرتجف للحظة.
ثم قررت الذهاب إلى السرير لتكمل تخيلها.. في الطريق شعرت بالعطش ذهبت إلى المطبخ وجلست هناك في ركن وفي يدها كأس ماء.. ارتشفت ببطء بعض الماء وركزت ناظريها على إنكسارأشعة الضوء خلال الماء وأخذت بتخيل لقاؤها الأول به إنه حين يصطدمان في المنظمة.. كانت ساقها اليسرى تذهب وتجيء يمينا ويسارا وقدمها مثبتة على الأرض ثم حركتها بقوة دون أن تنتبه فاصطدمت بالخزانة .. وتوقفت عن التخيل .. قالت: ما هذا؟ نصطدم ؟ كم هذا مؤلم!! لنعيد الكرة.
شرعت بتخيل صوت جرس يملئ المنزل، هي متعبة ولكن عليها فتح الباب والدتها ما زالت تغتسل ..
فتحت الباب وإذا بصديقة والدتها برفقة ولدها.. ألقى ولدها التحية بتأدب و هي ردت تحيته.. ثم سلمت على والدته بطريقة أكثر ودية وسألتها على صحتها فهي تعرفها جيداً.. ثم بعد ذلك أصيبت صديقة والدتها برعشة فمسكها ولدها بقلق يبدو جليا إن قلقه غير مصطنع.. ثم أمسك يد والدته وسلمها لها وقال:أرجوك إعتني بها ..
تعجبت هي من اهتمامه بوالدته.. وكأنه ليس من هذه الأيام.
بعدها بيومين تذهب لمدرسة أطفال.. إنه عيد الأم و منظمتهم تحيي حفلاً في المدرسة..
تلتقي هناك بذاك الشخص مرة أخرى ويبدو إنه أستاذ هناك، تحييه بإبتسامة ويشكرها على عنايتها بوالدته.. ثم يأتي طفل في العاشرة من عمره ينادي الأستاذ "أبي.. أبي.. ماذا سأقول لهم إن سألوني عن أمي؟ "
أبي: ماذا ستقول غير الحقيقة ؟ أخبرها بمشاعرك إنها ستسمعك..
في الإحتفال سألت معلمة ابن ذلك الأستاذ عن والدته، فراح الفتى يقص أحداث موت والدته الطيبة بمرض السرطان قبل ثلاث سنوات ثم بدأ يعبر عن شوقه لها ويبكي .. تلتفت هي إلى النافذة التي تطل على الممر وتسرح في التفكير ترى ظهر ذلك الأستاذ منحن بحزن إلى النافذة ثم يختفي شيئاً فشيئاً تخرج لتجده جالساً القرفصاء وهو يبكي فتجلس أمامه وتبكي..
هي لم تتخيل أي حوار .. لأنها لا تجيد تنسيق الكلام وقد ترتكب أخطاءاً فادحة إن قامت بذلك.. ولكنها تجيد الارتجال الذي يجلب برفقته الكثير من المفاجئات
ثم صرخت فجأة أي قصة سخيفة هذه؟ هل يعقل أن تحدث في الحياة؟
أجابها صوت ذكري خافت: بالطبع قصتنا ستكون أجمل..
ضحكت هي قائلة: ما أحلاني! بدأت أتخيل الصوت أيضاً.. لأفكر بأمر تلك زميلتي في العمل أفضل.
قال الصوت: إن ذهبتِ إلى الذي يحبها أخبريه أن يتصرف بلا كبرياء.. واخبريها ألا تخاف من الزواج به إنه سيعتني بها.
قالت هي: أخيراً جننت.
قال الصوت: إنه أنا..
ركضت بسرعة إلى السرير ونامت..   


                                    



هو أستيقظ  صباحا وهو يشعر بالإرهاق وكأنه جرى مئات الأمتار في الصحراء العربية الكبرى.
مستلق على سريره ومغمض عينيه رأى وسمع صوت محبوبته الخيالية وهي تقول بصوت هامس: ما أجمل هذا الصباح!
فضحك وكأنه ثمل ولم يفتح عينيه:ربما لأنك فيه ..؟
اليوم سيكون الأطول بين أيام الأسبوع.. العمل ثم الذهاب مع أمي لبيت صديقتها أنا أكره هذا فعلاً.. ماذا لو كان بإمكاني الذهاب مع أمي اليوم لخطبتك؟
قالت:كم سيكون هذا جميل!
قال هو : هل تعلمين كم انتظرت حتى أستمع لصوتك؟
دخلت والدته من الباب وقالت: أنت تسمع صوتي كل يوم.. هيا ستتأخر.
شعر بالاستياء وعلى مضض غادر السرير و حواره مع محبوبته المتخيلة..


                                   ~~~~~~


هذه الأيام بدأ يزعجها حقا وجودها مع كثير من الناس وبدأت حياتها المزدحمة تزعجها وفكرت بصدق بأن عليها التخلي عن العمل في المنظمة الإنسانية.. وربما لاحقا  المنظمة النسائية أيضاً..
 جلست هي في غرفة بنوافذ كبيرة وضوء الشمس يتخلل الغرفة.. أغمضت عينيها و استمتعت قليلاً بأشعة الشمس التي داعبت وجنتيها، رفعت رأسها وحركته وكأنها تستمع إلى موسيقى عذبة ثم طرق الباب شخص ما..
قالت هي: تفضل..
إنه الموظف العاشق ..
بعد تبادل التحية قالت هي: وددت ان أخبرك إنها تحبك أيضاً لكنك لم تحاول... كبرياؤك كان أهم.. كن صديقها أولاً و ربما ستعترف لك هي بمقدار حبها.
قال الموظف: من؟
هي: أنت تعلم أفضل مني عن من أتحدث.
خفض الموظف رأسه وقال: هذا شيء شخصي.
أعتذر عن تدخلي: ولكن عليك ان تعلم إن في عائلتها ظروف صعبة لا تحب أن تطلع عليها احد.
الموظف غاضب: لقد رفضتني ..
قالت هي وابتسامة رقيقة تعلو محياها:أي امرأة قد تقبل من المرة الأولى؟ وأي  إمرأة ترفض بعد المرة العاشرة.. ؟
هي حملت حقيبتها وقالت: ستأتي بعد قليل، لا تعاتبها كالأحمق، فقط تصرف كصديق أو زميل عمل و تقرب منها إنها تحتاجك.
خرجت من الغرفة آملة ان تسير الأمور على ما يرام ..
إنها تشعر بالسعادة والحماس هذا اليوم .. همست في نفسها: و رؤيتك مناي !






عاد هو للمنزل منهكا ولكنه سار وفق اتفاقه مع الوالدة و تناول غداءه بسرعة ليصحبها بعد ذلك لبيت صديقة لها.
أمام منزل صديقة الوالدة..
فتح الباب لوالدته نزلت فودعها ليذهب للقاء أصدقائه.. ولكنه لم يتحرك لبرهة من الزمن وهو يتأمل منزل مجاور لمنزل صديقة والدته يشعر  وكأنه رآه سابقاً وهمس قائلاً:هل يعقل إنكِ هناك؟ قلبي يخفق لدرجة لا يمكنني تحملها.
تبللت عينيه بالدموع على نحو مفاجئ.. ثم غادر قبل أن يصاب بالجنون.

 كان العصر قد حل عندما غيرت هي ملابسها و خرجت للقاء ابنة جارتهم..
رأت سيارة زرقاء غير مألوفة تمر خلال فرعهم حدقت بها وهي تبتعد وسألت: هل يمكن أن تكون هناك؟ في هذه السيارة؟ أيعقل؟ لماذا ينبض قلبي برؤية سيارة؟.
شعرت بالضعف في ساقيها فجلست على الرصيف قليلاً ممسكة بقلبها و الدموع تندي وجنتيها ركضت ابنة جارتها نحوها وأمسكت يدها فوجدتها باردتين كالثلج وممتلئتان بالعرق فسألتها إن كانت بخير وما سبب كل هذا الوهن الذي حل بها.
ولأنها تكره ان تظهر جانبها الضعيف حتى لأقرب الأشخاص منها _فإظهار الضعف لن يجعلها أفضل_ إبتسمت إبتسامة عذبة ونهضت مقترحة الذهاب للتسوق كما خططا في وقت سابق ...


                                 ~~~~~~~


"أجد إنني أتصرف بريبة هذه الأيام، بالنسبة لي أنا شخص طبيعي ولكن من منظور آخر أنا مجنون" هو قال هذه الجملة بصوت عالٍ قاطع فيها صمته وقهقهة أصدقائه.
قال أحد أصدقائه:ماذا؟ عن ماذا تتحدث؟
عند إنتهاء العشاء طلب صديق شهم _يمتلك روح المبادرة في مساعدة الآخرين_ منه إيصاله للمنزل.
في السيارة كان هو ساهما فقاطع صمته صديقه الشهم قائلاً: انت لا تعاني من خطب .. أنت متعب فقط.
حرك هو رأسه موافقاً.
أردف الصديق الشهم وهو يخرج صحيفة يومية من تحت معطفه وأشار إلى إعلان: يا صاح! لقد مر بي ظرف صعب ذات مرة وقد لجأت لهذه العيادة .. أنظر إنها عيادة الأمل.
تمتم هو قائلاً: هذا جيد.
قال الصديق الشهم: غداً عند الخامسة مساءاً فرغ لي بعض الوقت.. سنذهب إلى هناك.. و ستشعر بالراحة.









في قطار الأنفاق عند العودة من التسوق..
 أسندت هي مؤخرة رأسها على النافذة وأغمضت عينيها
تناولت ابنة جارتها صحيفة يومية ملقاة على الأرض وقالت بشيء من الحماس والذهول: يمكنني مساعدتك! كيف لم تخطر في بالي هذه الفكرة؟
إبتسمت هي دون ان تفتح عينيها وقالت: كيف بإمكانك مساعدة شخص ألقيت عليه لعنة من السماوات العلى.. لعنة تجعله يحب شخصاً لا أعلم في أي بقعة تحت السماء الزرقاء هو.. لا اعلم حتى إن كان موجود.
ابنة الجارة:عيادة الأمل.. الفضل لها بعد الله طبعاً لشفائي.. غداً عند العاشرة صباحاً ستذهب سوياً.. لا تتحججي بشيء فالغد هو يوم جمعة.
قالت هي: أحتاج لمساعدتك فعلاً.
ثم قالت في نفسها: هل أريد التخلص منك حقا؟ أنت يا من ملكت فكري.



                              ~~~~~~


هي ذهبت برفقة ابنة الجارة إلى عيادة الأمل عند الساعة العاشرة صباحاً... العيادة لا تبدو فاخرة جداً و هي ليست مرتعا لكبار الشخصيات ظاهراً، ولكن قد يوجد شخصيات معروفة متنكرة بين المنتظرين، فقدوا كل السبل للحصول إلى راحة البال ولجئوا إلى هنا كالأمل الأخير.

بقيت هي صامتة لنصف ساعة إلى إن حان دورهم..
دخلت الصديقتان إلى حجرة الطبيبة التي بدت كساحرة أكثر من كونها طبيبة ولكن هناك شيء يبعث على الراحة في تصميم العيادة ولاحقاً في صوت الطبيبة..
طلبت الطبيبة من ابنة الجارة الخروج لتحظى بحديث منفرد معها.
قالت الطبيبة: أنت هنا بسبب الحب وتريدين علاجاً لإحباطك.. عانيت من انفصال في وقت قريب.
هي قالت بتردد: أحب شخصاً غير موجود.. أتحدث معه كثيراً .. وأحيانا لا أرى من هم حولي ولا أسمعهم.
قالت الطبيبة هازئة من نفسها:كيف أخطأت بين الانفصام والانفصال؟
سرحت هي في خيالها و رأته حزيناً مكتئباً جالساً على مكتبه في وسط الظلام اقتربت منه وعانقته من ظهره للمرة الأخيرة.. رأت على شاشة الحاسوب كلمة مكتوبة بخط كبير " أرجوك لا تفعلي ذلك " بدأت دموعها بالانهمار وبدأ جسدها بالارتجاف.
لم تشعر بشيء حتى مسكت الطبيبة يدها وقالت:عليك ان تتعالجي بسرعة.. قد تجنين حقاً.
ناولتها كيس يحتوي على أربع حبوب زرقاء.. طلبت منها تناولها دفعة واحدة ثم نادت على الممرضة فأحضرت لها حقنة طبية.. جعلتها الطبيبة تستلقي وحقنتها الممرضة في ساعدها ثم استسلمت بسرعة للنوم.
طلبت الطبيبة من الممرضة ان تنادي على ابنة الجارة لتبقى إلى جانب صديقتها ثم أخبرت الطبيبة ابنة الجارة أن لا تذكر شيء من تجربة صديقتها المريرة أمامها عندما تستيقظ فهي لن تتذكر شيء وستعيش حياة طبيعية.



ذهب هو وصديقه الشهم عند الساعة الخامسة مساءاً إلى عيادة الأمل..
طوال الطريق وفي العيادة لم يغب مرأى حبيبته الخيالية عن عينيه ولا لحظة وكأنه كان يودعها للأبد.. إبتسمت له ولوحت .. بينما هو كان متردداً قلقاً وحزيناً..
"الحزن أليس ذلك الشعور الذي يكرهه الجميع؟ أليس هي ذاك الشعور الذي يفشل الناس بالتعامل معه وحتى أحياناً التصريح به؟ أوليس هو الشعور النبيل الذي ينتابنا لتأثرنا بمواقف إنسانية؟ أليس الحزن هو الشعور الذي يعده البشر عاراً و شعوراً للمتخلفين و الفقراء والمشردين؟ أهو الشعور الذي يصنف خطأ ضمن التعاسة؟"
استهلت الطبيبة كلامها بتساؤلات عن معنى الحزن..
هو أرتاب في أمر الطبيبة وكاد يوشك على الخروج.. لكنه لا يريد أن يصبح مجنوناً وهذا أمله الوحيد لإنقاذه.. ولن يمتلك الشجاعة لتوديع محبوبته مرة أخرى.
هو أوضح حالته بشيء من الإسهاب في الشرح ولم يترك معلومة تافهة أو بسيطة إلا ذكرها حركت الطبيبة رأسها لتوحي له بالاستماع، وحين انتهى قالت بعد إن ناولته كأس ماء بلاستيكي وكيس يحتوي على أربع حبوب زرقاء: تناولها و أستلقي على السرير رجاءا وستحقنك الممرضة بحقنة ستنام على إثرها لما يقارب ساعة وستستيقظ معافى تماماً.
هو قال ساخراً: وهل هذا هو الطب النفسي؟
الطبيبة بعدم مبالاة: على الأقل أنا لا أخدعك وأخذ مالك على جلسات علاجية عديمة النفع.
استلقى على السرير وهو يشاهد طيفها المشع ينير دربه نحو الخلاص ويتمنى له رحلة سعيدة نحو النسيان.. قلبه كان ينبض ببطء جاعلاً تنفسه في غاية الصعوبة.. ثم تمتم قائلاً:أعدك إنني سأجدك في أي مكان كنت تحت هذه السماء الزرقاء.
                                  ~~~~~

في صباح اليوم التالي ..
هو أستيقظ وكله نشاط لم يشعر بذلك النشاط منذ أمد بعيد حتى إنه لا يذكر منذ متى، كل شيء على ما يرام هو يبدو أكثر سعادة من ذي قبل بل ربما ظن إنه الأكثر سعادة على الإطلاق لا شيء يزعجه.. شكر الله على استمرار حياته وحيا والدته وقبّل رأسها ويدها وتناول فطوره بشيء من الشهية...




هي استيقظت مبكراً جداً وكلها نشاط وخفة وحيوية.. قفزت من سريرها قامت ببعض التمارين كانت أقرب إلى رقص منها إلى تمارين أعدت فطور لها ولوالدتها بمزاج من الجنة، أخذت وقتاً طويلاً في تدليل نفسها عند الاستحمام، اعتنت بمظهرها، استنشقت العطر الذي تضعه عادة وكأنها تستنشقه أول مرة.. نظرت إلى خصلات شعرها المتطايرة بشيء من الانبهار.. لم ترتدي ملابس ضيقة اليوم .. اختارت ثوب ملون وفضفاض وطويل وسترة من الجينز ..




قبل أن يخرج هو من المنزل.. شعر وكأنه قد فقد شيئا ما فعاد للبحث عله يتذكر ما الذي قد يفقده؟ لكنه لم يتذكر .. كلما مرت دقيقة زاد فضوله ما هو ذلك الشيء؟ .. لماذا يشعر بالفراغ فجأة؟ هل هو بسبب تناوله للدواء؟ هل تلك الطبيبة أخطأت؟ لكن لماذا ذهب للعلاج أصلاً؟ أسئلة بدت قاتمة جداً ومحيرة.. حاول السيطرة عليها لينعم بيوم جميل.


هي رأت ملاحظة في دفتر الخطة السنوية " أنا أفتقدك "، هي تعلم بكل تأكيد إنها لم تكن مغرمة بأحدهم منذ سنوات.. ولكن الملاحظة جديدة وحين تراها ينتابها نوع غريب من المشاعر.. تلك المشاعر المختلطة التي ترافق الانفصال.. راحة وألم.. ولكنها فتاة ذكية لن تدع شيئاً مثل ملاحظة يعكر يومها المميز هذا.
~~~~~

تلقى هو طلباً من أخته لتناول الغداء في اليوم التالي، إنه طلب محبب جداً على قلبه لما يقضيه من وقت سعيد في الحديث مع زوج أخته، واللعب بألعاب الفيديو مع ابن أخته الصغير بالإضافة إلى طبخ أخته الشهي.. وبالرغم من إن أخته هي من النوع الذي لا يفضل من النساء ولكنها الأخت الأمثل بالنسبة له.



إتصلت بها أختها عند التاسعة صباح يوم الأحد ودعتها لحضور الوليمة التي ستقام على شرف صديق زوجها الطبيب و التي تم تأجيلها لتقام اليوم ..
أعجبت هي بالفكرة فإن التعرف على الناس مدعاة مسرة بالنسبة لها، ووافقت على الحضور.
ذهبت إلى بيت أختها عند الساعة السادسة مساءاً وكانت قد ارتدت سترة سميكة سوداء اللون طويلة وعريضة تشبه ستر البذل الرجالية، و بنطالا من الجينز الكحلي و قميصا من القماش المنسدل الأبيض، وشال كحلي لفت به عنقها الجميل ورفعت شعرها بهيئة وردة، مع قليل من الظل البني فوق العين والكحل الأسود.. فكانت بحق فاتنة بطريقة رجولية.

استقبلتها أختها بحفاوة وكذلك زوج أختها وأطفالهما، خلعت سترتها وعلقتها وتقدمت بخجل نحو الصالة حيث يجلس صديقان لزوج أختها مع زوجتيهما وأبنائهما وذلك الطبيب القادم من كندا.
ظهرت شخصيتها الخجولة فجأة وبدل الذهاب إلى الصالة ذهبت إلى المطبخ..
قالت لأختها إنها تشعر إنها على غير ما يرام وإنها ستغادر، فقالت الأخت بشيء من الفطنة " ستبلغين عامك الثلاثين بعد عام وما زلت تتحججين بنفس الحجج عندما تخجلين "
حملت هي صحن السلطة وذهبت لتضعه على المائدة وألقت التحية بشيء من البرود والقوة المفتعلة..
جلست والخجل يتملكها تحاول التحدث مع نفسها وإجبار نفسها على ان تكون ودودة فلم تستطع، ولكنها لم ترد التحرك من مكانها فذاك الطبيب راقها للغاية شخص ببشرة صافية وذقن مضلع حاد و نظرات باردة وصوت مؤثر وظهر مستقيم وعضلات ظهر واضحة، يرتدي قميصاً أبيضاً مع ربطة عنق منحلة عن رقبته و بنطالا من الكتان، لديه روح من الدعابة ممزوجة بالذكاء، كلامه في موضعه، إحترمت أفكاره بسبب طريقته المثقفة في التعبير عنها وإن اختلفت معه بالرأي. لم يكن شريراً ولا متحاذقاً بل كان لطيفاً أحياناً خاصة عندما يمتدحه الحاضرون فيشعر بالخجل ولا يستطيع الإجابة فقط يقوم باللعب بشعره بيده اليسرى ويتمتم.

بعد العشاء دار حوار ساخن و كشخص يلقي محاضرات وينشر التوعية أرادت إيضاح فكرة معينة تعتقد إنها الأصح من الناحية العملية ولكن مهما حاولت التكلم كان الهواء فقط هو ما يخرج من حنجرتها بسبب خجلها ثم أقلعت عن فكرة المشاركة في الحوار وراحت تلعب لعبة سخيفة في هاتفها المحمول وهي تمثل إنها مشغولة بمحاورة صديقتها عبر برنامج تواصل ما .. كلما حدث أمر مضحك تضحك متظاهرة إن صديقتها هي من تضحكها لا حديثهم.
وبعدما فتر الحديث قليلاً غادرت هي وأختها لجلب الحلوى والفواكه وعندما عادت للجلوس لم تجد مكاناً سوى إلى جانب ذلك الطبيب.
سألها الطبيب بطيب نفس إن كان موضوع الحديث يزعجها؟ أو إنها تعاني من خطب ما؟.
أدعت إنها لا تحب الحوارات الطويلة بإجابة مقتضبة ورسمية للغاية
ثم استدارت نحو الطبيب وكأنها تذكرت شيئاً قائلة: ألست طبيب؟.
قال: نعم.
قالت:ما تخصصك؟.
قال: الجراحة العصبية. هل هناك شيء أستطيع أن أساعدك به؟. (مبتسماً)
قالت:أوه.. لا.. لا شيء. فقط كنت فضولية. (أقشعر جلدها لأنها شعرت بوقوعها في ورطة)


هو نام في بيت أخته وأستيقظ بعدما حل الليل واختفت الشمس تماماً عن الأفق، شعر ببعض الضيق وودع الجميع في المنزل وخرج ليقود سيارته بسرعة هوجاء ويستنشق الهواء العليل إنه عمل يتيح له التنفيس عن الغضب والقلق. وفجأة ضغط المكابح وصدر صوت قوي مزعج.. لقد صدم شيئاً ما أو ربما شخص.. لقد شعر بذلك.. لقد توقف قلبه وعقله أيضاً وأصبح بطيء الإدراك.



هي شعرت بالاهتياج فجأة و رغبت بشدة في السير للاستمتاع بهواء نيسان العليل.. ودعت الجميع وقبلت وجنتي أختها.. أختها حذرتها من السير في هذه المنطقة السكنية الجديدة الهادئة وحيدة، وقالت لها إن زوجها سيوصلها إلى المنزل أو إلى مكان يصلح للسير في الليل.. لكنها لم تستمع لأي من كلمات أختها،  قامت بحمل سترتها وخرجت وحيدة للسير..
وما هي إلا بضع خطوات حتى أحست بأحدهم يتبعها فقالت بصوت مسترخٍ: أيها الطبيب! أحتاج حقاً للسير وحيدة..
الطبيب ( لا يحاول أن يكون ظريفاً ويتكلم بطريقة جدية):لا أحاول مضايقتك، أنا أحب السير لوحدي أيضاً.
أدارت وجهها نحو الخلف ثم قالت مبتسمة: إذن سأتركك لوحدك.
لوحت له وقفزت لمنتصف الشارع وفجأة جاءت سيارة مسرعة من خلفها، ملئ الشارع ضوءا وصوت المكابح كان عالياً وثم صدمتها وهي مازالت تلوح وتبتسم للطبيب..

نزل هو من سيارته ليرى أي شيء صدم في هذه الليلة المشؤومة.
عقله لم يدرك إن كان هذا واقعا أم لا وجسده كان يتحرك بقوى الضمير وحدها لا غير.. إقترب خطوة بعد خطوة .. وإذا بها قطة قد دهست تحت عجلات السيارة وفقدت روحها... لقد أستطاع تنفس الصعداء بالرغم من أسفه لحال تلك القطة.





هي لم تكن إصابتها مميتة ولم تسبب أضراراً دائمة... ولكن اضطرت للبقاء راقدة شهر في المستشفى.             
                              ~~~~~
 بعد شهرين..
إنه الصيف الحارق قد أتى والكل مشغول بعمله يخيل لهما أنهما عادا إلى طبيعتهما، لا يفقدان شيئاً ولا يرغبان بتذكر شيء، حتى يأتي الليل فتجتاحهما هواجس لا يعرفان كيفية إيقافها بل ولا يعرفان ماهيتها.. وينتهي الحال بهما غالباً مستلقيان في الشارع يحدقان في النجوم..
في يوم شعرا في منتصف الليل برغبة عارمة في تناول المثلجات..
ذهبا كليهما إلى نفس المتجر.. وصلا في نفس الوقت.. اختارا نفس القطعة من المثلجات، إنها الأخيرة من نوعها.. تشاجرا شجاراً حاداً لمعرفة من له الأحقية في أخذها... ثم تنازلا كليهما عنها بعدما فقدا الرغبة بتناول المثلجات.
وغادرا المتجر كل في طريقه...
"يا للعجب!!!" رددا بسرور "لقد اختفى القلق .. يمكنني أن أنام الآن!! رأسي بخير الآن"
ركضا وهما يضحكان متوجهان نحو المنزل...
لم نكن لبعضنا من الأساس... وإلا كيف يعقل أن أراكَ.. كيف يعقل أن أراكِ ولا أتعرف عليكَ/ عليكِ؟
نعم رغبتُ بلقائكَ.. بلقائكِ ولكن الحياة أعطتنا ما نرغب به متأخراً، بعدما فارقتنا رغبة الحصول عليه، وتنازلنا نحن عن أخذه و أعدناه مجدداً للحياة لتعطيه لشخص أحق منا، شخص يحتاجه بالفعل..
دار في خاطري تساؤل هل كنتَ... هل كنتِ ترغبين فيَّ من الأساس؟

هل كانا لقاؤنا سيلائمنا حقاً؟

النهاية
لا حدود للخيال

سمانا السامرائي
6/7/2014







 
Share on Tumblr

تعليقات

  1. لقد توقف قلبي في الجزء ما قبل الاخير ><

    كلماتك! لقد لمست قلبي <3

    ذكرتيني بهذا http://www.youtube.com/watch?v=RMK5xovn0u8&feature=kp

    يوجد لدي ذلك الشخص الخيالي .. كل يوم احضنه بقوة حتى استطيع النوم , انه شخص خيالي ل شخص موجود في الواقع.

    على اية حال ف تستمري ~ من يدري ممكن بعد كم سنة اروح اشتري كتاب لك ♡

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك جدا على مرورك وقراءتك للقصة .. انت القارئة الأولى .. ولي كل الشرف والسرور بذلك..
      وادعي لي يجي اليوم الي انشر في قصصي ...

      حذف
  2. غير معرف7/08/2014 4:14 ص

    جمييييييييله جدا دخلت جو واناا اقرا
    اتمنى تواصلين واتمنى لكي التقدم

    ردحذف
  3. اكثر من رائعه ..استمري..جدا تأثرت بالقصه اسرتني لعالم اخر ..راااائعه ..بالنتظار الجديد

    ردحذف
  4. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  5. سأختصرها بكلمة (جمااال) لا اعرف وجدتها تعبر عن كل جميل و تختصر كل جميل .. في الفقرات الاولى مللت و فكرت ان النهاية لن تحمل شيئا مثيرا ,و بالتدريج بدأ المرح يزداد و بدأت بتقبل الفكرة ,وجدتها مختلفة ,للحظة قلت في نفسي :يالها من فكرة ذكية لم اقرأ مثلها من قبل ,وهذا ما منحها جاذبية و سحرا , ارجو منك ان تُعيدي تنقيحها من البداية ,يوجد اخطاء املائية عديدة ,و علامات التنقيط و المسافات ليست بمحلها ,النقاط كانت تفصل بين اغلب الكلمات بصورة عشوائية ,الصور ساحرة بتصميم جذاب و جائت مناسبة للقصة لكن أفضل ان ترتبي اماكنها و توزعيها على الصفحة بشكل منسق , الخاتمة ذات حكمة بالغة ,و جائت مناسبة جدا للأحداث ..

    وفقت في كتابة قصة متميزة و اعجبني انها ليست مغدقة بتفاصيل تطيل السرد بلا طائل ..
    استمري عزيزتي ولا تجعلي اي شيء يمنعك من الكتابة , لا تجعلي الكلمات تبات في قلبك و مخيلتك دون ان تُفرغيها على الورق ..

    لتُبدعي أكثر و تطمحي للمزيد * وفقك الله *

    ردحذف
  6. رائعة بحق 👍 دائما انا اتخيل كلمات وتصرفات ومواقف مع اشخاص لم اراهم من قبل واتكلم مع نفسي كثيرا حتئ ان امي بعض الاحيان تسمعني وتقول لي هل جننتي لكني اتصرف وكأني اتذكر شيئا مهما ، والنهاية اعجبتني كثيرا وحكمة رائعة لطالما ما ننتظر شيئا بفارغ الصبر وعندما يأتي متأخرا نكون قد فقدنا حلاوته 🍃....للان انتظر اليوم الذي سأذهي واشتري فيه كتاب رواياتك فلا تتأخري علينا ونفقد طعم الانتظار
    🍃.
    .انا الان اقرأها مع صوت المطر يدق علئ النافذة 💦 لقد اخترت الوقت المناسب 👌.. الدمية

    ردحذف
    الردود
    1. أنت هي الرائعة... يسعدني مرورك ويسعدني أكثر إنها حازت على اهتمامك واعجابك😊
      ان شاء الله يكون اليوم الذي تشترين فيه كتاب رواياتي قريب فأنا أيضا لا أحب أن اجعلك تنتظرين .. أنني أدعو من أجل ذلك

      بالفعل إنه الوقت الأنسب إختيار موفق
      ( ^ ب ^ )

      حذف
  7. حيدر السلامي1/13/2016 10:37 م

    لا اروع مما وصفت وقد ابدعت في رسم صور المشاعر والخواطر والانفعالات الإنسانية عموما وخيالك الخصب انتج حوارات هي الغاية في الروعة والبهاء ونجحت في الهيمنة على القارئي بأسلوب التشويق... عشت معك تجربة إنسانية نادرة أشكرك على كل ذلك متمنيا لك التقدم الدائم ...

    ردحذف
    الردود
    1. يقولون إن الله يحتفظ بالأشياء الجميلة ليعطيها لنا في الأوقات المناسبة ، وقد احتفظ لي بتعليقكم الثمين هذا الذي أعده وسام شرف لمدة عام وشهر لكي أكتسب القوة وأعود لمزاولة الكتابة وأتقدم كما تمنيتم لي

      شاكرة جدا لمروركم

      حذف

إرسال تعليق