التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قشر البرتقال



(( قشر البرتقال ))






بينما كنت تقشر البرتقال جرحت يدك بشدة وسقط الكثير من الدماء على كتابك الذي يفترض بك أن تخضع لامتحان في مادته غدا وهذا الامتحان سيؤهلك لدخول جامعة مرموقة .

ستقرر أن تقرأ السؤال الذي أخفته دماؤك في اليوم التالي في كتاب أحد أصدقائك ولكنك ستنسى فعل ذلك لأنك قللت من قيمة السؤال.

وستندهش حين تستلم ورقة الأسئلة أن السؤال الذي تجاهلته هو السؤال الأول... وبالطبع لن تجيب عليه  كما ان يدك المجروحة ستقلل من كفاءتك في حل الأسئلة

وبهذا ستبتعد عن نيل مطلبك بسبب اثني عشر درجة.

وبعد هذا الحادث سترتاد جامعة عادية بل أقل من ان توصف بعادية وستشعر بالإحباط لأن منهم أقل منك ذهبوا لجامعات مرموقة واختاروا دراسة يحبونها ولكنك اخترت دراسة علوم الكيمياء ليس لأنك تحبها ولكنك لن تجد وظيفة وأنت قد تخرجت من هذه الجامعة العادية اذا كنت اخترت امتهان التدريس.

ستتغير الحكومة في أثناء سنين دراستك، وستقوم الحكومة الجديدة بإصلاح شامل في مجال التعليم وسيشمل ألإصلاح جامعتك وسيقررون إرسال المتفوقين لتكملة الدراسة في الخارج، وبالطبع أنت ستكون احد المتفوقين.

انت لم تفارق عائلتك من قبل وستجد فراقهم صعبا للغاية ولكنك ستسافر لتثبت لنفسك ولأسرتك انك رجل أهل للثقة والنجاح.

ستركز على الدراسة و لا شيء غير الدراسة لكنك لن تحرز المراكز المتوقعة منك ستلوم اللغة وستلوم الغربة لكن الواقع إنك لم تجتهد بما فيه الكفاية وأنت ستعرف ذلك جيدا.

ومما سيزيد ألمك اعتقادك أنك وحيد في هذه المحنة ولكن مما سيثير دهشتك إن تلك ألفتاة القادمة من وطنك والتي تحمل في داخلها الكثير من الثقة والقوة تعاني مما تعانيه تماما.

من المعروف عن تلك الفتاة إنها الأكثر تعجرفا وغطرسة لأنها الأولى دائما ولكنك ستكتشف إنها رقيقة ولطيفة وتختلف تماماً عما تبدو عليه .

ستقتربان من بعضكما جدا وستساعدان بعضكما في الدراسة وستطلب منها الزواج بمجرد العودة إلى الوطن، ستوافق الفتاة وستقيمان حفلا صغيرا بينكم وبين أصدقائكم العرب.

في تلك اللحظة ستشعر إنك الأكثر سعادة فستحصل قريبا على شهادة الماجستير وبيتا دافئا تنيره زوجة محبة ودودة.

وحين ستعود للوطن بعد إنهاءك لدراستك بنجاح، ستقدم لكي تعمل في مركز ألأبحاث الوطني وستقبل هناك وستزداد سعادتك بقبول والدي تلك الفتاة بك كزوج لها.

ولكن فرحتك لن تكتمل لأن والدتك و مخطوبتك سيتعرضان لحادث سيارة بينما كانا يتسوقان معا وسيغادران العالم لعالم أكثر سلام وبهجة ويتركانك متحيرا متألما وحيدا في هذا العالم كطفل افلت يد أمه في سوق كبيرة.

وبعد عشر أيام سيغادر والدك العالم حزنا على فراق والدتك.

هنا سينحني ظهرك لقد فقدت سندك، ستعتبر رحيله قمة الوفاء والراحة وستستحقر نفسك لاستمرارك في الحياة.

وستتساءل لم لا تستطيع أن تكون وفيا كوالدك؟ لم انت ما زلت حيا؟

لن يتبقى لك من أسرتك سوى أخت كبيرة متزوجة في مدينة بعيدة وبعض الأقرباء الذين ستبتعد عنهم.

 ستعيش في شقة صغيرة بعد بيعك لمنزل العائلة وإعطاء المال للورثة. ستفكر كثيرا في سبب حياتك وستتذكر كلمات والديك الممتلئة بالفخر وإبتسامة خطيبتك التي طالما شجعتك، ستقرر أن تستمر لأجلهم وستشغل حياتك بالعمل لمدة سنتين ثم ستقدم طلبا لإكمال الدكتوراه في جامعة جيدة وتقبل فيها لأنك ورغم نبوغك في الكيمياء لن يستمع لك احد لو لم تحمل شهادة الدكتوراه.

بعد بضع سنين ستنال شهادة الدكتوراه وسيعرض عليك التدريس في جامعة فترفض لأنك لا تحب التواصل مع الناس وتفضل البقاء في المختبر لأجراء التجارب والبحوث.

بسبب قرارك هذا ستجلس مع نفسك وتفكر وتتساءل "لماذا أصبحت بعيدا عن البشر؟ كيف فقدت قدراتي في التواصل؟ لم انا منعزل لتلك الدرجة؟

لن يكون من الملائم ألقاء اللوم على الموتى لأنهم لم يطلبوا منك ذلك كما إنك ستخجل من نفسك حين تعترف إنك بالفعل بدأت تنساهم و لا تستطيع تذكر الكثير من التفاصيل عنهم.

ستقتني قطة بعدما ستقرأ في مدونة إلكترونية إن الحيوانات الأليفة ومواقع التواصل الاجتماعي قد تساعدك على التعرف على ردود أفعال البشر المختلفة لأقوالك وأفعالك وبالتالي ستساعدك في زيادة القدرة على التواصل في حياتك العامة.

ستنسجم مع القطة وستأنس بها لأنها ستذكرك بخطيبتك وخاصة بما يخص اللطف والعناد.

وبعد عدة أشهر ستعود إلى المنزل وأنت متألم لرفضهم فكرتك الثورية التي نتجت عن أبحاث مستفيضة وسترى إن قطتك مستلقية على الأرض تأن بعدما احترقت حروق مؤلمة بسبب مادة كيميائية نسيت إخفائها، سيتحطم قلبك للمرة الثانية  لموت  قطتك التي لم تستطع الطبيبة البيطرية معالجتها.

ستجري بأقصى سرعتك في شوارع العامة ليلا دون اكتراث لوقارك وهيبتك حتى ينقطع نفسك وتجلس القرفصاء إلى جانب مصباح الشارع العمودي وتضع رأسك بين ساقيك وتجهش بالبكاء ستتساءل لماذا لم تستطيع البكاء هكذا منذ عشر سنوات؟ كيف مضى عمرك بهذه السرعة؟ كيف يعقل إنك أصبحت في الواحد والثلاثون من العمر ولم تحقق أي شيء في حياتك حتى مشروعك الذي بذلت فيه الكثير من الجهد والوقت؟ثم ستتذكر البرتقالة التي قشرتها وستسأل نفسك لماذا أردت أن تتناول البرتقال في ذلك اليوم؟ كان بإمكانك تأجيل تناول تلك البرتقالة اللعينة يوم واحد فقط وكانت حياتك ستكون أفضل.

ستشعر بالراحة وستتخذ بعض أهم القرارات التي ستغير حياتك.... ثم ستسأل نفسك في أي شارع أنت الآن؟ وإلى أين أوصلتك قدمك؟ لقد جريت دون تفكير تماما مثل جريك في حياتك.

ستغير محل سكنك وسيارتك وستفتح متجر لبيع مواد التجميل الذي لن يبرح أن يكون معروفا بما فيه الكفاية بعد بضع أشهر وستشكر الله على نعمائه فلقد بدأت تشعر بالسعادة ثانية وانك حي مرة أخرى.

ستتعرف على عدد من النساء لأنك تفكر جديا بالزواج ولكنك لن تتوافق مع أحداهن وستقلع عن فكرة الزواج.

ستتلقى اتصالات عديدة من عدة جامعات مرموقة يطلبون منك التدريس فيها ولكنك ستختار الجامعة التي درست فيها كشكل من أشكال الشكر لأنها جعلتك تسافر وتتعرف على مخطوبتك وتقضي أوقات سعيدة معها.

ولاحقا ستتلقى إتصالا من الوزارة يخبروك فيه إن فكرتك جيدة وثم تترشح لنيل جائزة علمية.

في هذه المرحلة من حياتك انت لن تطلب شيئا أكثر، أنت أستاذ مرموق وصاحب متجر يجلب لك السرور ولديك حكمة وخبرة وقدرة رائعة في التواصل مع الناس ولديك الكثير لتدرسه للشباب.

ستشارك في حملات تطوعية لمساعدة الشباب والمرضى والفقراء وستتعرف على أناس جيدين سيجعلون حياتك تتخلل بالبهجة والمرح والحياة والأهم ستلتقي ب"عبير" زميلة الدراسة في المرحلة الإعدادية التي أكننت لها الكثير من الإعجاب لجمالها وأنوثتها، ستعرف لاحقا إن عبير انفصلت عن زوجها منذ ثلاث سنين ولديها ابنة صغيرة وهي تعاني الكثير من الألم وهذا سيذكرك بنفسك ستصبح مقربا منها رغم إنها ستبعدك كثيرا وفيما بعد ستتزوجان.

ستسمع صوت أمك ينادي " أحمد. يا أحمد. لماذا أنت شارد الذهن؟"

ستلتفت إلى أمك فتجدها ما زالت حية فتقفز لتنظر إلى نفسك في المرأة وسترى وجه المراهق القبيح الذي لم ينضج بعد فتتنهد تنهيدة عالية وكأنك صعدت جبلا بأقصى سرعتك وتقفز هنا وهناك وتصرخ مرحا وبعد نوبة الجنون تلك تصلي ركعتين شكرا لله إن كل ما حدث لم يكن حقيقة وستفكر بينما ما زلت جالسا على سجادة الصلاة الخاصة بك في أفضل طريق للسير في حياتك وما الذي عليك فعله؟

وستبقي هذا الحلم خاصا بك لن ترويه لأحد ما حييت لأنك ببساطة لن تجد شخص يفهمك أكثر منك.

النهاية

1:20م

2013-06-05

5\6\2013 الأربعاء


تعليقات